فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ} (68)

{ وأوحى رَبُّكَ إلى النحل } قد تقدّم الكلام في الوحي ، وأنه يكون بمعنى الإلهام ، وهو ما يخلقه في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ، ومنه قوله سبحانه :

{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [ الشمس : 7 - 8 ] . ومن ذلك إلهام البهائم لفعل ما ينفعها وترك ما يضرها ، وقرأ يحيى بن وثاب " إلى النحل " بفتح الحاء . قال الزجاج : وسمي نحلاً ، لأن الله سبحانه نحله العسل الذي يخرج منه . قال الجوهري : والنحل والنحلة : الدبر ، يقع على الذكر والأنثى { أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتًا } أي : بأن اتخذي على أن «أن » هي المصدرية ، ويجوز أن تكون تفسيرية ؛ لأن في الإيحاء معنى القول ، وأنث الضمير في اتخذي لكونه أحد الجائزين كما تقدّم ، أو للحمل على المعنى ، أو لكون النحل جمعاً . وأهل الحجاز يؤنثون النحل «ومن » في { من الجبال بيوتاً } { و } كذا في { مّنَ الشجر } وكذا في { مّمَّا يَعْرِشُونَ } للتبعيض ، أي : مساكن توافقها وتليق بها في كوى الجبال ، وتجويف الشجر ، وفي العروش التي يعرشها بنو آدم من الأجناح والحيطان وغيرها . وأكثر ما يستعمل فيما يكون من الخشب ، يقال : عرش يعرش بكسر الراء وضمها . وبالضم قرأ ابن عامر وشعبة ، وقرأ الباقون بالكسر . وقرئ أيضاً " بيوتاً " بكسر الباء وضمها .

/خ69