محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ} (68)

ولما بين تعالى أن إخراج الألبان من النعم ، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب ، دلائل قاهرة وبينات باهرة ، على أن لهذا العالم إلها واحدا قادرا مختارا حكما أرشد إلى آيته الساطعة في النحل أيضا ، بقوله سبحانه :

/ [ 68 ] { وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون 68 } .

{ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون } ، المراد من الوحي : الإلهام ، والهداية إلى بنائها تلك البيوت العجيبة المسدسة ، من أضلاع متساوية لا يزيد بعضها على بعض ، مما لا يمكن مثله للبشر إلا بأدوات وآلات ، وقد أرشدها تعالى إلى بنائها بيوتا تأوي إليها في ثلاثة أمكنة : الجبال ، والشجر ، وبيوت الناس ، حيث يعرشون ، أي : يبنون العروش ، جمع ( عرش ) : وهو البيت الذي يستظل به كالعريش . وليس للنحل بيت في غير هذه الأمكنة : الجبال والشجر وبيوت الناس . وأكثر بيوتها ما كان في الجبال ، وهو المتقدم في الآية ، ثم في الشجر دون ذلك ، ثم في الثالث أقل .

فالنحل إذا نوعان : جبلية تسكن في الجبال والفيافي لا يتعهدها أحد من الناس . وأهلية تأوي إلى البيوت وتتعهد في الخلايا . ومن بديع الإلهام فيها اتخاذها البيوت قبل المرعى . فهي تتخذها أولا . فإذا استقر لها بيت خرجت منه ، فرعت . وأكلت من الثمرات . ثم أوت إلى بيوتها . وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله : { ثم كلي من كل الثمرات } .