غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ} (68)

61

ومن أعجب أحوال الحيوان : حال النحل ، المناسب عسلها اللبن في موافقة اللذة ، وفي الخروج من البطن ، فلذلك أفردها بالذكر عقيب ذلك قائلاً :{ وأوحى ربك } ، يا محمد أو يا إنسان إلى النحل ، أي : ألهمها وعلمها ، على وجه هو أعلم به ، ولقد حق لغريب أمرها وعجيب صنعتها ، أن يطلق عليه لفظ الإيحاء ، وذلك أنها تبني البيوت المسدسة من الأضلاع المتساويات ، التي لا يمكن للعقلاء تركيب أمثالها إلا بالمساطر والفرجارات ، وقد علم من الهندسة أن تلك البيوت لو كانت مشكلة بما سوى المسدسات ، فإنه يبقى بالضرورة فيما بينها فرج خالية ضائعة . فاهتداء ذلك الحيوان الضعيف إلى هذه الحكمة الدقيقة من الأعاجيب . ومن غرائب أمرها أن لها رئيساً ، هو أعظم جثة من الباقين ، وهم يخدمونه ، ويتبعون نهيه وأمره ، ومنها أنها إذا نفرت عن وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر ، فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ، ضربوا الطبول والملاهي وآلات الموسيقى ، وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى أوكارها . وبالجملة فإن غرائب هذا الحيوان أكثر من أن تحصى ، وأشهر من أن تخفى ، والغرض : أن امتياز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة ، الدالة على الذكاء والكياسة ، حالة شبيهة بالوحي ، بمعنى : الإلهام . قال الزجاج : يجوز أن يقال : سميت نحلاً ؛ لأنه تعالى نحل الناس العسل بواسطتها ، وهي مؤنثة في لغة أهل الحجاز ، ولذلك قال تعالى : { أن اتخذي } ، وهي " أن " ، المفسرة ؛ لأن الإيحاء فيه معنى القول . ومعنى : " من " ، في قوله : { من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون } ، أي : يبنون ، ويرفعون البعضية ؛ لأنها لا تبني بيوتاً في كل جبل ، وكل شجر ؛ وكل ما يعرش ، ولكنها تبني في مساكن توافقها ، وتليق بها ، وكثيراً ما يتعهدها الناس ، وتصلح أحوالها .

/خ70