لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ} (23)

قال : { إني } أي الهدهد { وجدت امرأة تملكهم } هي بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملكاً عظيم الشأن قد ولد له أربعون ملكاً هو آخرهم ، وكان يملك أرض اليمن كلها وكان يقول لملوك الأطراف ليس أحد منكم كفؤاً لي وأبى أن يتزوج منهم فخطب إلى الجن فزوجوه منهم امرأة يقال لها ريحانة بنت السكن . قيل في سبب وصوله إلى الجن حتى خطب منهم ، أنه كان كثير الصيد فربما اصطاد الجن ، وهم على صورة الظباء فيخلي عنهم فظهر له ملك الجن وشكره على ذلك واتخذه صديقاً ، فخطب ابنته فزوجه إياها وقيل إنه خرج متصيداً فرأى حيتين يقتتلان بيضاء وسوداء ، وقد ظهرت السوداء على البيضاء ، فقتل السوداء وحمل البيضاء وصب عليها الماء فأفاقت ، وأطلقها فلما رجع إلى داره وجلس وحده منفرداً ، فإذا معه شاب جميل فخاف منه ، قال : لا تخاف أنا الحية البيضاء التي أحييتني والأسود الذي قتلته هو عبد لنا تمرد علينا ، وقتل عدة منا وعرض عليه المال فقال : المال لا حاجة لي به . ولكن إن كان لك بنت فزوجنيها فزوجه ابنته ، فولدت له بلقيس وجاء في الحديث « إن أحد أبوي بلقيس كان جنياً : فلما مات أبو بلقيس طمعت في الملك وطلبت قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وأبى آخرون ، وملكوا عليهم رجلاً آخر يقال : إنه ابن أخي الملك وكان خبيثاً سيء السيرة في أهل مملكته ، حتى كان يمد يده إلى حريم رعيته ، ويفجر بهن فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه فلما رأت بلقيس ذلك ، أدركتها الغيرة فأرسلت إليه فعرضت نفسها عليه فأجابها الملك وقال : ما منعني أن أبتدئك بالخطبة إلا اليأس منك فقالت لا أرغب عنك لأنك كفؤ كريم ، فاجمع رجال أهلي واخطبني منهم ، وخطبها فقالوا لا نراها تفعل فقال : بلى إنها قد رغبت فيّ فذكروا ذلك لها فقالت : نعم فزوجوها منه فلما زفت إليه خرجت في ملأ كثير من خدمها وحشمها ، فلما دخلت به سقته الخمر حتى سكر ثم قتلته وحزت رأسه وانصرفت إلى منزلها من الليل ، فلما أصبحت أرسلت إلى وزرائه وأحضرتهم وقرعتهم وقالت أما كان فيكم من يأنف لكريمته أو كرائم عشيرته ، ثم أرتهم إياه قتيلاً وقالت اختاروا رجلاً تملكونه عليكم فقالوا لا نرضى غيرك فملكوها وعلموا أن ذلك النكاح كان مكراً وخديعة منها ( خ ) عن أبي بكرة قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال " لن يفلح قوم ملكوا عليهم امرأة " قوله تعالى { وأوتيت من كل شيء } يعني ما تحتاج إليه الملوك من المال والعدة { ولها عرش عظيم } أي سرير ضخم عال . فإن قلت : كيف استعظم الهدهد عرشها على ما رأى من عظمة ملك سليمان . قلت : يحتمل أنه استعظم ذلك بالنسبة إليها ، ويحتمل أنه لم يكن لسليمان مع عظم ملكه مثله وكان عرش بلقيس من الذهب مكللاً بالدر ، والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ، وقوائمه من الياقوت والزمرد ، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق قال ابن عباس : كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعاً ، في ثلاثين ذراعاً وطوله في السماء ثلاثون ذراعاً . وقيل كان طوله ثمانين في ثمانين وعلوه ثمانون وقيل : كان طوله ثمانين وعرضه أربعين وارتفاعه ثلاثون ذراعاً .