اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ} (23)

قوله : { إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ } لما قال الهدهد لسليمان : { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } ، قال سليمان : وما ذاك ؟ قال : { إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ } وكان اسمها بلقيس بنت شراحيل ، وكان أبوها ملك أرض اليمن من نسل يعرب بن قحطان ، وكان ملكاً عظيم الشأن ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤاً لي ، وأبى أن يتزوج منهم فزوجوه امرأة من الجن يقال لها : ريحانة بنت السكن ، فولدت له بلقيس ولم يكن له ولد غيرها ، وفي الحديث : «إن أحد أبوي بلقيس كان جنِّياً » وكانت هي وقومها مجوساً يعبدون الشمس{[38657]} ، والضمير في «تملكهم » راجع إلى «سبأ » ، فإن أريد به القوم فالأمر ظاهر ، وإن أريد المدينة فمعناه : تملك{[38658]} أهلها{[38659]} ، ( قال عليه السلام لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى : «لن يفلح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة » ){[38660]} {[38661]} .

قوله : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } يجوز أن يكون معطوفاً على «تَمْلِكُهُمْ » ، وجاز عطف الماضي على المضارع ، ( لأن المضارع ){[38662]} بمعناه ، أي : ملكتهم ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من مرفوع «تملكهم » . و «قَدْ » معها مضمرة{[38663]} عند من يرى ذلك .

وقوله : { مِن كُلِّ شَيْءٍ } عام مخصوص بالعقل ؛ لأنها لم تؤت ما أوتيه سليمان . قوله : «وَلَهَا عَرْشٌ » يجوز أن تكون هذه جملة مستقلة بنفسها سيقت للإخبار بها ، وأن تكون معطوفة على «أُوتِيَتْ » ، وأن تكون حالاً من مرفوع «أُوتِيَتْ » ، والأحسن أن يجعل الحالَ الجارُّ ، «وعَرْشٌ » مرفوع به ، وبعضهم يقف على «عَرْشٌ » ويقطعه عن نعته . قال الزمخشري : ومن نَوْكى{[38664]} القُصَّاصِ من يقف على قوله : «وَلَهَا عَرْشٌ » ، ثم يبتدئ ، «عَظِيمٌ وَجَدْتها » ، يريد : أمرٌ عظيم أَنْ وجدتها ، فرَّ من استعظام الهدهد عرشها ، فوقع في عظيم ، وهي مسخ كتاب الله{[38665]} .

قال شهاب الدين : النَّوكَى : الحمقى جمع أَنْوَك وهذا الذي ذكره من أمر الوقف نقله الدّاني{[38666]} عن نافع{[38667]} وقرره أبو بكر بن الأنباري ورفعه إلى بعض أهل العلم{[38668]} ، فلا ينبغي أن يقال ( نَوْكَى القُصَّاص ) ، وخرجه الداني على أن يكون «عَظِيمٌ » مبتدأ ، و «وَجَدْتُهَا » الخبر{[38669]} ، وهذا خطأ ، كيف يبتدئ بنكرة من غير مسوِّغ ، ويخبر عنها بجملة لا رابط بينها وبينه ، والإعراب ما قاله الزمخشري من أن عظيماً{[38670]} صفة لمحذوف خبراً مقدماً ، و «وَجَدْتُهَا » مبتدأ مؤخراً مقدراً معه حرف مصدري أي : أمر عظيم وجداني إياها وقومها غير عابدي الله{[38671]} .


[38657]:انظر البغوي 6/273.
[38658]:في ب: ملك.
[38659]:انظر الكشاف 3/139.
[38660]:أخرجه البخاري 4/228، النسائي (قضاة) 8/227.
[38661]:ما بين القوسين سقط من ب.
[38662]:ما بين القوسين سقط من ب.
[38663]:انظر التبيان 2/1007.
[38664]:النوكى: الحمقى. اللسان (نوك).
[38665]:الكشاف 3/140.
[38666]:في ب: الثاني. وهو تحريف.
[38667]:انظر المكتفى في الوقت والابتدا (427).
[38668]:انظر إيضاح الوقف والابتداء 2/815-816.
[38669]:انظر المكتفى في الوقت والابتدا (428) وفيه: قال المقرئ أبو عمرو: فيرتفع قوله: "عظيم" على هذا المذهب بالابتداء، والخبر في قوله "وجدتها".
[38670]:في ب: عظيم.
[38671]:الدر المصون 5/187، وانظر الكشاف 3/140.