[ الآية 23 ] { إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء } يؤتى الملوك على ما ذكرنا في قوله { وأوتينا من كل شيء } [ النمل : 16 ] ثم العجب من أمر بلقيس أن كيف خفي خبرها وأمرها على سليمان كل ذلك الخفاء ، وكانت بقرب منه ؟ وكانت ملكة جبارة ذات سلطان وملك . وكان يذهب في كل غدو مسيرة شهر وفي كل رواح كذلك .
كيف لم يطلع على أمرها وخبرها ؟ وكانت الجن والشياطين مسخرين له ومذللين يعملون له الأعمال الصعبة الشديدة ، ويطوفون في الآفاق والأفق . وكان هو بعث إلى الدعاء إلى توحيد الله . كيف خفي عليه أمرها وخبرها كل هذا الخفاء حتى أخبره بذلك الهدهد ؟
هذا ، والله ، أمر عجب ! ومن عادة الملوك أيضا أنهم يطلع بعضهم على أمور بعض ، ويعلم بأحواله .
لكن يحتمل خفاء خبرها لما لا يتجاسر كل أحد أن يكلمه في ذلك وأن يعلمه عن حالها ، وإن كان لا يعلم هو ذلك إلا بعد السؤال وطلب الخبر تعظيما له وإجلالا . وهكذا الملوك ليس يتجاسر كل أحد على أن يخبرهم{[14971]} /389- ب/ عن كل أمر وخبر إلا بعد السؤال إياه تعظيما لهم وتوقيرا .
فعلى ذلك أمر سليمان مع بلقيس ، أو أن يكون لأمر وسبب لم يبلغنا ذلك ، ولم نشعر به .
وقال بعض أهل التأويل في قوله : { وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد } [ النمل : 20 ] إنما طلب ، وتفقده لأن الطير قد تظله على رأسه من الشمس . فلما نظر إلى الطير وجد موضع الهدهد خاليا ، تقع عليه الشمس ، فعند ذلك قال : { مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } ؟
وقالوا في قوله : { لأعذبنه عذابا شديدا } [ النمل : 21 ] أي لأنتفن ريشه حتى تصيبه الشمس . فذلك هو العذاب الشديد . لكن لا نفسر ما ذلك العذاب الشديد الذي أوعده سليمان مخافة الكذب ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فمكث غير بعيد } [ النمل : 22 ] قال بعضهم : غير طويل . وجائز أن يكون : فمكث وقتا ، يأتي في مثله من كان بعيدا{[14972]} ، لأنه إنما يعبر عن المكان لا عن الوقت في الظاهر { فقال أحطت بما لم تحط به } كأنه يريه المناصحة له والشفقة ؛ يقول : أتيتك من العلم والخبر ما لم تأت أنت ولا أحد من جنودك ، فكيف تعذبني ؟
وفي حرف عبد الله [ بن مسعود ]{[14973]} : فتمكث غير بعيد ، ثم جاءه . قال أبو معاذ : مكَث بنصب الكاف ورفعها يمكُث لغتان .
وقوله تعالى : { وجئتك من سبإ بنبإ يقين } قال بعضهم : حق ، لا شك فيه ، أي عند الهدهد .
أما عند سليمان فلا . ألا ترى أن سليمان { قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين } ؟ [ النمل : 27 ] .
وقف في خبره لينظر أصدق ما يقول أم كذب ؟ وقال بعضهم : { بنبإ يقين } أي عجيب .
ثم اختلف في قوله : { من سبإ بنبإ } قال بعضهم : سبأ اسم رجل ، تنسب القرية إليه . وقال بعضهم : اسم بلدة . وقال أبو عوسجة : سبأ أبو اليمن . فمن جعلها اسم بلدة لم يجره{[14974]} ، ومن جعلها اسم رجل جره ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إني وجدت امرأة تملكهم } كأنه{[14975]} على الإضمار ، أو وجدت امرأة تملكهم أي تملك أهل سبإ . ألا ترى أنه قال في آخره : { وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله } ؟ [ النمل : 24 ] ذكر القوم في آخر الآية دل أن الأهل كان مضمرا فيه .
وقوله تعالى : { وأوتيت من كل شيء } في بلادها { ولها عرش عظيم } قال أهل التأويل : أي لها سرير حسن عظيم ضخم ، كذا كذا ذراعا [ طوله ، وكذا كذا ذراعا ]{[14976]} عرضه .
وجائز أن يكون العرش كناية عن الملك ؛ كأنه قال { ولها عرش عظيم } أي ملك عظيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.