جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّي وَجَدتّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشّمْسِ مِن دُونِ اللّهِ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } .

يقول تعالى مخبرا عن قيل الهدهد لسليمان مخبرا بعذره في مغيبه عنه : إنّي وَجَدْتُ امْرأةً تَمْلِكُهُمْ يعني تملك سبأ ، وإنما صار هذا الخبر للهدهد عذرا وحجة عند سليمان ، درأ به عنه ما كان أُوعد به ، لأن سليمان كان لا يرى أن في الأرض أحدا له مملكة معه ، وكان مع ذلك صلى الله عليه وسلم رجلاً جُبّب إليه الجهاد والغزو ، فلما دله الهدهد على ملك بموضع من الأرض هو لغيره ، وقوم كفرة يعبدون غير الله ، له في جهادهم وغزوهم الأجر الجزيل ، والثواب العظيم في الاَجل ، وضمّ مملكة لغيره إلى ملكه ، حقّت للهدهد المعذرة ، وصحّت له الحجة في مغيبه عن سليمان .

وقوله : وأُوتِيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ يقول : وأوتيت من كلّ شيء يؤتاه الملك في عاجل الدنيا مما يكون عندهم من العتاد والاَلة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي عُبَيدة الباجي ، عن الحسن ، قوله : وأُوتِيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ يعني : من كل أمر الدنيا .

وقوله ولَهَا عَرْشٌ عَظيمٌ يقول : ولها كرسي عظيم . وعُني بالعظيم في هذا الموضع : العظيم في قدره ، وعظم خطره ، لا عظمه في الكبر والسعة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قوله وَلهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ قال : سرير كريم ، قال : حَسن الصنعة ، وعرشها : من ذهب قوائمه من جوهر ولؤلؤ .

قال : ثني حجاج ، عن أبي عُبيدة الباجي ، عن الحسن ، قوله : ولَهَا عَرْشٌ عَظيمٌ : يعني سرير عظيم .