الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ} (23)

{ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } واسمها بلقيس بنت الشيرح ، وهو الهدهَاد وقيل : شراحيل ابن ذي حدن بن اليشرج بن الحرث بن قيس بن صفى بن سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان ، وكان أبو بلقيس الذي يسمّى اليشرج ويلقّب بالهدهاد ملكاً عظيم الشأن قد ولد له أربعون ملكاً ، وكان يملك أرض اليمن كلّها وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفواً لي ، فأبى أن يتزوّج فيهم فزوّجوه امرأة من الجنّ يُقال لها ريحانة بنت السكن ، فولدت له تلمقة وهي بلقيس ولم يكن له وَلد غيرها .

ويصدّق هذا ما أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن بشر قال : حدّثنا محمد بن حريم بن مروان قال : حدّثنا هشام بن عّمار قال : حدّثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشر بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " كان أحد أبوَي بلقيس جنّياً . "

قالوا : فلمّا مات أبو بلقيس ولم يخلّف ولداً غيرها طمعت في الملك وطلبت من قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وعصاها آخرون ، فاختاروا عليها رجلاً فملّكوه عليهم ، وافترقوا فرقتين كلّ فرقة منها استولت بملكها على طرف من أرض اليمن .

ثمّ إنّ هذا الرجل الذي ملّكوه أساء السيرة في أهل مملكته حتى كان يمّد يده إلى حرم رعيّته ويفجر ، بهن وأراد أصحابه أن يخلعوه فلم يقدروا عليه ، فلمّا رأت بلقيس ذلك أدركتها الغيرة فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه ، فأجابها الملك : والله ما منعني أن ابتديك بالخطبة إلاّ اليأس منك فقالت : لا أرغب عنك فإنك كفؤ كريم ، فاجمع رجال قومي واخطبني إليهم فجمعهم وخطبها إليهم ، فقالوا : لا نراها تفعل هذا ، فقال لهم : إنّما هي ابتدأتني فأنا أحبّ أن تسمعوا قولها وتشهدوا عليها ، فلّما جاؤوها وذكروا لها ذلك قالت : نعم أحببت الولد ولم أزل ، كنت أرغب عن هذا فالساعة قد رضيتُ به فزوّجُوها منهُ ، فلمّا زُفّت إليه خرجت في ناس كثير من خدمها وحشمها حتى غصّت منازله دوره بهم ، فلمّا جاءته سقته الخمر حتى سكر ثم حزّت رأسه وانصرفت من الليل الى منزلها ، فلمّا أصبح الناس رأوا الملك قتيلاً ورأسه منصوباً على باب دارها ، فعلموا أنّ تلك المناكحة كانت مكراً وخديعة منها فاجتمعوا إليها وقالوا لها : أنتِ بهذا الملك أحقّ من غيرك ، فقالت : لولا العار والشنار ما قتلته ولكن عمَّ فساده وأخذتني الحميّة حتى فعلت ما فعلت فملّكوها واستتبّ أمرها » .

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن خديجة قال : حدّثنا ابن أبي الليث ببغداد قال : حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أبي بكرة قال : ذكرت بلقيس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يفلح قوم وَلّوا أمرهم امرأة " .

{ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدّة .

{ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } سرير ضخم حسن ، وكان مقدّمه من ذهب مفصّص بالياقوت الأحمر والزمرد الأخضر ، ومؤخّره من فضّة مكلّل بألوان الجواهر وله أربع قوائم : قائمة من ياقوت أحمر وقائمة من زمرّد ، وقائمة من ياقوت أخضر ، وقائمة من درّ ، وصفائح السرير من ذهب ، وعليه سبعة أبواب كلّ بيت باب مغلق .

وقال ابن عباس : كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً ، وطوله في الهواء ثلاثون ذراعاً .

وقال مقاتل : كان ثمانين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً وطوله في الهواء ثمانون ذراعاً مُكلّل بالجوَهر .