الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ} (23)

قوله : { وَأُوتِيَتْ } : يجوزُ أَنْ تكونَ معطوفةً على " تَمْلِكُهم " . وجاز عَطْفُ الماضي على المضارع ؛ لأنَّ المضارعَ بمعناه أي : مَلَكَتْهُمْ . ويجوز أَنْ يكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من مرفوعِ " تَمْلِكُهم " ، و " قد " معها مضمرةٌ عند مَنْ يَرَى ذلك .

وقوله : { مِن كُلِّ شَيْءٍ } عامٌّ مخصوصٌ بالعَقْلِ لأنها لم تُؤْتَ ما أُوْتِيَه سُلَيْمانُ .

قوله : { وَلَهَا عَرْشٌ } يجوزُ أَنْ تكونَ هذه جملةً مستقلةً بنفسِها سِيْقَتْ للإِخبارِ بها ، وأَنْ تكونَ معطوفةً على " أُوْتِيَتْ " ، وأَنْ تكونَ حالاً مِنْ مرفوعِ " أُوْتِيَتْ " . والأحسنُ أَنْ تُجْعَلَ الحالُ الجارَّ ، و " عَرْشٌ " مرفوعٌ به ، وبعضُهم يَقِفُ على " عَرْشٌ " ، ويَقْطَعُه عن نَعْتِه . قال الزمخشري : " ومِنْ نَوْكَى القُصَّاص مَنْ يقفُ على قولِه : { وَلَهَا عَرْشٌ } ثم يَبْتَدِىءُ " عظيمٌ وَجَدْتُها " يريد : أمرٌ عظيمٌ أَنْ وَجَدْتُها ، فَرَّ مِنْ استعظامِ الهُدْهُدِ عرشَها فوقع في عظيمةٍ وهي مَسْخُ كتابِ الله " . قلت : النَّوْكَى : الحَمْقَى جمعَ أَنْوكِ . وهذا الذي ذكرَه مِنْ أَمْرِ الوقف نقله الدانيُّ عن نافعٍ ، وقَرَّره ، وأبو بكر بن الأنباري ، ورفعه إلى بعضِ أهل العلمِ ، فلا ينبغي أَنْ يُقال : " نَوْكَى القُصَّاص " . وخرَّجه الدانيُّ على أَنْ يكونَ " عظيم " مبتدأ و " وَجَدْتُها " الخبرُ . وهذا خطأٌ كيف يُبْتدأ بنكرةٍ مِنْ غيرِ مُسَوِّغٍ ، ويُخْبَرُ عنها بجملةٍ لا رابطَ بينها وبينَه ؟ والإِعرابُ ما قاله الزمخشريُّ : مِنْ أنَّ عظيماً صفةٌ لمحذوفٍ خبراً مقدماً [ و " وَجَدْتُها " مبتدأٌ مؤخرٌ مُقَدَّراً معه حرفٌ مصدريٌّ أي : أمرٌ عظيمٌ وُجْداني إياها وقومَها غيرَ عابدي اللهِ تعالى .