فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ} (23)

فلما قال الهدهد لسليمان ما قال ، قال له سليمان : وما ذاك ؟ فقال :{ إني وجدت امرأة تملكهم } وهي بلقيس بنت شراحيل ، روي ذلك عن الحسن وقتادة وزهير بن محمد ، وعن ابن جريج أنها بنت ذي شرح ، وجدها الهدهد تملك أهل سبأ وكان أبوها ملك أرض اليمن ، ولم يكن له ولد غيرها ، فغلبت على الملك ، وكانت هي في وقومها مجوسا يعبدون الشمس . والضمير في تملكهم راجع إلى سبأ ، على تأويل القوم ، وأهل المدينة ، والجملة هذه كالبيان والتفسير للجملة التي قبله ، أي : ذلك النبأ اليقين هو كون هذه المرأة تملك هؤلاء .

قال ابن عباس : اسمها بلقيس بنت ذي شيرة ، وكانت هلباء شعراء ، قيل : كانت من نسل يعرب بن قحطان ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إحدى{[1341]} أبوي بلقيس كان جنيا " أخرجه ابن عساكر ، وابن مردودية ، وأبو الشيخ وابن جرير .

{ وأوتيت من كل شيء } فيه مبالغة ، والمراد أنها أوتيت من كل شيء من الأشياء التي تحتاجها الملوك ، من الآلة والعدة ، وكان يخدمها النساء ، وهذا عام أريد به الخصوص ، وقيل : المعنى أوتيت من كل شيء في زماننا شيئا من أسباب الدنيا ، والمال والعدة ما يليق بحالها ، فحذف شيئا لأن الكلام قد دل عليه .

{ ولها عرش عظيم } أي : سرير كبير ضخم ، وقيل : المراد بالعرش هنا الملك ، أولى لقول سليمان : أيكم يأتيني بعرشها ؟ ووصفه بالعظم بالنسبة إليها أولى أمثالها من ملوك الدنيا ، لأنه كما قيل : كان مضروبا من الذهب والفضة ، طوله ثمانون ذرعا ، وعرضه أربعون ذراعا ، وارتفاعه في السماء ثلاثون ذراعا ، مكللا بالدر والياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر والزمرد .

وأما وصف عرش الله بالعظيم ، فهو بالنسبة إلى جميع المخلوقات من السماوات والأرض وما بينهما ، فبينهما بون عظيم ، وفرق بين . قال ابن عطية : واللازم من الآية أنها امرأة ملكة على مدائن اليمن ، ذات ملك عظيم وسرير كبير ، وكانت كافرة من قوم كفار ، وعن ابن عباس قال : سرير كبير من ذهب ، وقوائمه من جوهر ولؤلؤ ، حسن الصنعة غالي الثمن . عليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق .


[1341]:لم يصح له إسناد، ثم إنه من حيث المعنى لا يقبل بالضرورة إلا في معارض الفروض الفقهية الوهمية، أن يكون إنسانا مهجنا يجن أو جنا مهجنا بإنسان وليس هناك ما يثبت هذا إلا ما حكي من أن بني السعلات من العرب أمهم جنية ولم يرد من طريق معتبر إلا ما روي من سبق الشيطان لمن لم يسم عند الوقاع وهذا من قبيل جريان الشيطان من ابن آدم مجرى الدم وليس من قبيل التذري والتناسل. المطيعي.