لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَامِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (135)

{ قل } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي قل يا محمد { يا قوم } أي قل لقومك من كفار قريش { اعملوا على مكانتكم } وقرئ مكاناتكم على الجمع والمكانة تكون مصدراً يقال : مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن وبمعنى المكان يقال مكان ومكانة كما يقال مقام ومقامة فقوله اعملوا على مكانتكم يحتمل أن يكون معناه اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ويحتمل أن يكون معناه اعملوا على حالتكم التي أنتم عليها كما يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حالة : مكانتك يا فلان أي أثبت على ما أنت عليه لا تتغير عنه . وقال ابن عباس معناه اعملوا على ناحيتكم { إني عامل } يعني إني عامل على مكانتي التي أنا عليها وما أمرني به ربي والمعنى اثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر والعداوة فإني ثابت على الإسلام والمصابرة .

فإن قلت ظاهر الآية يدل على أمر الكفار بالإقامة على ما هم عليه من الكفر وذلك لا يجوز .

قلت : معنى هذا الأمر الوعيد والتهديد والمبالغة في الزجر عما هم عليه من الكفر فكأنه قال أقيموا على ما أنتم عليه من الكفر إن رضيتم لأنفسكم بالعذاب الدائم فهو كقوله تعالى : { اعملوا ما شئتم } ففيه تفويض أمر العمل إليهم على سبيل الزجر والتهديد وليس فيه إطلاق لهم في عمل ما أرادوه من الكفر والمعاصي .

وقوله تعالى : { فسوف تعلمون } يعني لمن العاقبة المحمودة لنا أو لكم . وقيل معناه فسوف تعلمون عند نزول العذاب بكم أينا كان على الحق في عمله نحن أم أنتم { من تكون له عاقبة الدار } يعني فسوف تعلمون غداً القيامة لمن تكون عاقبة الدار وهي الجنة { إنه لا يفلح الظالمون } قال ابن عباس : معناه أنه لا يسعد من كفر بي وأشرك . ثم في هذه الآية قولان :

أحدهما : أنهما محكمة وهذا على قول من يقول إن المراد بقوله اعملوا على مكانتكم الوعيد التهديد . والقول الثاني أنها منسوخة بآية السيف وهذا على قول من يقول إن المراد بها ترك القتال .