لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

قوله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم } قال عكرمة : نزلت فيمن يئد البنات من ربيعة ومضر وكان الرجل يقاضي الرجل على أن يستحيي جارية ويئد أخرى فإذا كانت الجارية التي توأد غدا الرجل أو راح من عندها امرأته وقال لها أنت عليّ كظهر أمي إن رجعت إليك ولم تئديها فتخدّ لها في الأرض خداً وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها ثم يتداولنها بينهن حتى إذا أبصرته راجعاً دستها في حفرتها ثم سوت عليها التراب . وقال قتادة : هذا من صنيع أهل الجاهلية كان أحدهم يقتل ابنه مخافة السبي والفاقة ويفدو كلبه .

أما سبب الخسران المذكور في قوله قد خسر الذين قتلوا أولادهم : أن الولد نعمة عظيمة أنعم الله بها على الوالد فإذا تسبب الرجل في إزالة هذه النعمة عنه وإبطالها فقد استوجب الذم وخسر في الدنيا والآخرة ، أما خسارته في الدنيا فقد سعى في نقص عدده وإزالة ما أنعم الله به عليه . وأما خسارته في الآخرة فقد استحق بذلك العذاب العظيم .

وقوله { سفها بغير علم } يعني فعلوا ذلك للسفاهة وهي الخفة والجهالة المذمومة وسبب حصول هذه السفاهة هو قلة العلم بل عدمه لأن الجهل كان هو الغالب عليهم قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا سموا جاهلية وقوله تعالى : { وحرموا ما رزقهم الله } يعني البحائر والسوائب والحامي وبعض الحروث وبعض ما في بطون الأنعام ، وهذا أيضاً من أعظم الجهالة { افتراء على الله } يعني أنهم فعلوا هذه الأفعال المذمومة وزعموا أن الله أمرهم بذلك وهذا افتراء على الله وكذب وهذا أيضاً من أعظم الجهالة لأن الجرأة على الله والكذب عليه من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ولهذا قال تعالى : { قد ضلوا } يعني في فعلهم عن طريق الحق والرشاد { وما كانوا مهتدين } يعني إلى طريق الحق والصواب في فعلهم ( خ ) .

عن ابن عباس قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم إلى قوله { قد ضلوا وما كانوا مهتدين } .