نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

ولما ذكر تعالى تفاصيل سفههم ، وأشار إلى معانيها ، جمعها{[31395]} - وصرح بما أثمرته من الخيبة - في سبع خلال كل واحدة منها سبب تام في حصول الندم{[31396]} فقال{[31397]} : { قد خسر } وأظهر في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : { الذين قتلوا } قرأها ابن عامر وابن كثير بالتشديد لإرادة{[31398]} التكثير والباقون بالتخفيف { أولادهم سفهاً } أي خفة إلى الفعل المذموم وطيشاً{[31399]} ، تؤزهم الشياطين الذين يتكلمون على ألسنة الأصنام أو سدنتها إلى ذلك أزاً .

ولما كان السفه منافياً لرزانة{[31400]} العلم الذي لا يكون الفعل الناشئ عنه إلا عن تأن وتدبر وتفكر وتبصر ، قال مصرحاً بما أفهمه : { بغير علم } أي وأما من قتل{[31401]} ولده بعلم - كما إذا كان كافراً أو قاتلاً أو محصناً زانياً - فليس حكمه كذلك ؛ ولما ذكر عظيم ما أقدموا عليه ، ذكر جليل ما أحجموا عنه فقال : { وحرموا ما رزقهم الله } أي الذي لا ملك سواه رحمة لهم ، من تلك الأنعام والغلات ، بغير شرع ولا نفع بوجه { افتراء } أي تعمداً للكذب{[31402]} { على الله } أي الذي له جميع العظمة .

ولما كانوا قد خسروا ثلاث خسرات مع ادعائهم غاية البصر بالتجارات : النفس بقتل الأولاد ، والمال بتحريم ما رزقهم الله ، فأفادهم ذلك خسارة الدين ، كانت نتيجته قوله : { قد ضلوا } أي جاوزوا{[31403]} وحادوا عن الحق وجاروا ؛ ولما كان الضال{[31404]} {[31405]} قد تكون ضلالته{[31406]} فلتة عارضة له{[31407]} ، وتكون الهداية وصفاً أصيلاً فيه ، نبه على أن الضلال وصفهم الثابت بقوله : { وما كانوا } أي في شيء من هذا من{[31408]} خلق من الأخلاق { مهتدين * } أي لم يكن في كونهم وصف الهداية ، بل زادوا بذلك ضلالاً ؛ قال البخاري في المناقب من صحيحه : حدثنا أبو النعمان حدثنا{[31409]} أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إذا سرك أن تعلم جهل{[31410]} العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً } - إلى قوله : { وما كانوا مهتدين } . وله في وفد بني حنيفة من المغازي عن مهدي بن ميمون قال : سمعت أبا رجاء العطاردي يقول : كنا نعبد الحجر فإذا{[31411]} وجدنا حجراً{[31412]} أحسن منه ألقيناه فأخذنا الآخر ، وإذا لم نجد حجراً جمعنا جثوة{[31413]} من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به ، فإذا دخل شهر رجب قلنا : منصل الأسنة ، فلا ندع رمحاً فيه حديدة ولا سهماً فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه شهر رجب . {[31414]}


[31395]:من ظ، وفي الأصل: جميعها.
[31396]:في ظ: الدم.
[31397]:سقط من ظ.
[31398]:من ظ، وفي الأصل: لان.
[31399]:في ظ: طلبا.
[31400]:من ظ، وفي الأصل: لرواية.
[31401]:من ظ، وفي الأصل: قبل.
[31402]:من ظ، وفي الأصل: لكذب.
[31403]:من ظ، وفي الأصل: حاروا.
[31404]:من ظ، وفي الأصل: الضلال.
[31405]:في الأصل: يكون إضلاله، وفي ظ: يكون ضلالة- كذا.
[31406]:في الأصل: يكون إضلاله، وفي ظ: يكون ضلالة- كذا.
[31407]:زيد من ظ.
[31408]:في ظ: في.
[31409]:من ظ وصحيح البخاري- المناقب، وفي الأصل: يا – كذا.
[31410]:في ظ: أمر.
[31411]:من ظ وصحيح البخاري- المغازي، وفي الأصل: فا –كذا.
[31412]:زيد بعده في ظ: جمعنا جثوة.
[31413]:من ظ والصحيح، وفي الأصل: جنوده.
[31414]:زيد من ظ والصحيح.