بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

قوله تعالى : { قَدْ خَسِرَ الذين قَتَلُواْ أولادهم } يعنوا : دفنوا بناتهم أحياء وقتلوهن { سَفَهاً } صار نصباً لنزع الخافض يعني : جهلاً منهم { بِغَيْرِ عِلْمٍ } يعني : بغير حجة منهم في قتلهن وهم ربيعة ومضر كانوا يقتلون بناتهم لأجل الحمية . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً من أصحابه كان لا يزال مغتماً بين يديه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم « مَا لَكَ تَكن مَحْزُوناً » ؟ فقال : يا رسول الله إني قد أذنبت في الجاهلية ذنباً ، فأخاف أن لا يغفر لي وإني أسلمت فقال له : « أَخْبِرْنِي عَنْ ذَنْبِكَ » فقال : يا رسول الله : إني كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لي بنت ، فتشفعت إليَّ امرأتي بأن أتركها فتركتها حاتى كبرت ، وأدركت فصارت من أجمل النساء فخطبوها ، فدخلت عليَّ الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج . فقلت للمرأة : إني أريد أن أذهب بها إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي فسرت بذلك وزيّنتها بالثياب والحلي ، وأخذت عليَّ المواثيق بأن لا أخونها فذهبت بها إلى رأس بئر ، فنظرت إلى البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر ، فالتزمت بي وجعلت تبكي وتقول : يا أبت أي شيء تريد أن تفعل بي فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت عليّ الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أبت لا تضيع أمانة أمي فجعلت مرة أنظر في البئر ، ومرة أنظر إليها ، وأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة وهي تنادي في البئر يا أبت قتلتني . فمكثت هناك حتى انقطع صوتها . فرجعت فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال « لَوْ أُمِرْتُ أَنْ أعَاقِبَ أَحَداً بِمَا فَعَلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ لَعَاقَبْتُكَ بِمَا فَعَلْتَ »

ثم قال : { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ الله } يعني : ما أعطاهم { افتراء } يعني : كذباً { عَلَى الله } بأنه قد حرم ذلك عليهم { قَدْ أَضَلُّواْ } عن الهدى { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } يعني : وما هم بمهتدين ويقال : { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } من قبل فخذلهم الله بذلك قرأ ابن كثير وابن عامر { قاتلوا } بالتشديد لتكثير الفعل والباقون بالتخفيف .