لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

وإرم هو جد عاد على ما ذكر في نسبه عاد . وقيل إن المتقدمين من قوم عاد كانوا يسمون بإرم اسم جدهم . وقيل إرم هم قبيلة من عاد ، وكان فيهم الملك ، وكانوا بمهرة اسم موضع باليمن وكان عاد أباهم فنسبوا إليه وهو إرم بن عاد بن شيم بن سام بن نوح ؛ وقال الكلبي : إرم هو الذي يجتمع إليه نسب عاد وثمود أهل السواد ، وأهل الجزيرة ، وكان يقال عاد إرم وثمود إرم فأهلك عاد وثمود ، وأبقى أهل السواد ، وأهل الجزيرة ؛ وقال سعيد بن المسيب : إرم ذات العماد دمشق وقيل الإسكندرية ، وفيه ضعف لأن منازل عاد كانت من عمان إلى حضرموت ، وهي بلاد الرمال والأحقاف . وقيل إن عاداً كانوا أهل عمد وخيام وماشية سيارة في الربيع فإذا هاج العود ويبس رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا أهل جنان وزروع ومنازلهم بوادي القرى .

وهي التي قال الله تعالى : { التي لم يخلق مثلها في البلاد } وسموا ذات العماد لأنهم كانوا أهل عمد سيارة ، وهو قول قتادة ومجاهد والكلبي ، ورواية ابن عباس . وقيل سموا ذات العماد لطول قامتهم يعني طولهم ، مثل العماد في الشبه ، قال مقاتل : كان طول أحدهم اثني عشر ذراعاً ، وقوله { التي لم يخلق مثلها في البلاد } يعني لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول ، والقوة ، وهم الذين قالوا { من أشد منا قوة }[ فصلت : 15 ] . وقيل سموا ذات العماد لبناء بناه بعضهم ، فشيد عمده ورفع بناءه ، وقيل كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا بعده ، وقهرا البلاد والعباد فمات شديد وخلص الملك لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها وكان يحب قراءة الكتب القديمة فسمع بذكر الجنة وصفتها فدعته نفسه إلى بناء مثلها عتواً على الله وتجبراً ؛ روى وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت فبينما هو يسير في صحارى عدن إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن وحول الحصن قصور كثيرة فلما دنا منها ظن أن فيها أحداً يسأله عن إبله فلم ير خارجاً ولا داخلاً فنزل عن دابته وعقلها ، وسل سيفه ودخل من باب المدينة فإذا هو ببابين عظيمين وهما مرصعان بالياقوت الأحمر فلما رأى ذلك دهش ، ففتح الباب ودخل ، فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها ، وإذا فيها قصور في كل قصر منها غرف ، وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب ، والفضة ، وأحجار اللؤلؤ والياقوت ؛ وإذا أبواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة يقابل بعضها بعضاً وهي مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران ، فلما عاين ذلك ولم ير أحداً هاله ذلك ثم نظر إلى الأزقة فإذا في تلك الأزقة أشجار مثمرة ، وتحت تلك الأشجار أنهار مطردة يجري ماؤها في قنوات من فضة فقال الرجل في نفسه هذه الجنة وحمل معه من لؤلؤ ترابها ومن بنادق مسكها وزعفرانها ، ورجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وحدّث بما رأى فبلغ ذلك معاوية ، فأرسل إليه فقدم عليه فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار فلما أتاه قال له : يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة قال نعم هي إرم ذات العماد بناها شداد بن عاد قال : فحدثني حديثها فقال لما أراد شداد بن عاد عملها أمر عليها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان ، وكتب إلى ملوك الأرض أن يمدوه بما في بلادهم من الجواهر فخرجت القهارمة يسيرون في الأرض ليجدوا أرضاً موافقة فوقفوا على صحراء نقية من التلال وإذا فيها عيون ماء ومروج فقالوا هذه الأرض التي أمر الملك أن نبني فيها فوضعوا أساسها من الجزع اليماني ، وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة ، وكان عمر شداد تسعمائة سنة فلما أتوه وقد فرغوا منها قال : انطلقوا فاجعلوا حصناً يعني سوراً واجعلوا حوله ألف قصر وعند كل قصر ألف علم ليكون في كل قصر وزير من وزرائي ففعلوا وأمر الملك وزراءه وهم ألف وزير أن يتهيؤا للنقلة إلى إرم ذات العماد ، وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين ثم ساروا إليها فلما كانوا من المدينة على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعاً ، ولم يبق منهم أحد ثم قال كعب : وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال ، وعلى عنقه خال يخرج في طلب إبل له ثم التفت فأبصر عبد الله بن قلابة فقال : هذا والله ذلك الرجل .