صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

{ خلق السموات . . . } [ آية 54 الأعراف ص 262 ] . { ثم استوى على العرش } استواء يليق به سبحانه ! بلا كيف ولا تمثيل ولا تشبيه [ آية 54 الأعراف ] . { يعلم ما يلج في الأرض . . . } [ آية 2 سبأ ص 193 ] . { وهو معكم } أي عالم بكم أينما كنتم . فالمعية مجاز عن العلم بعلاقة السببية ؛ والقرينة السباق واللحاق مع استحالة الحقيقة . وقد أول السلف هذه الآية بذلك ؛ كما أخرجه البيهقي عن ابن عباس والثوري . وفي البحر : أن الأمة مجمعة على هذا التأويل فيها ، وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات لاستحالتها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

قوله تعالى : { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم } بالعلم . { أينما كنتم والله بما تعملون بصير . له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور . }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

قوله تعالى : " هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش " تقدم في " الأعراف{[14698]} " مستوفي . " يعلم ما يلج في الأرض " أي يدخل فيها من مطر وغيره " وما يخرج منها " من نبات وغيره " وما ينزل من السماء " من رزق ومطر وملك " وما يعرج فيها " يصعد فيها من ملائكة وأعمال العباد " وهو معكم أين ما كنتم " يعني بقدرته وسلطانه وعلمه " والله بما تعملون بصير " يبصر أعمالكم ويراها ولا يخفى عليه شيء منها . وقد جمع في هذه الآية بين " استوى على العرش " وبين " وهو معكم " والأخذ بالظاهرين تناقض فدل على أنه لا بد من التأويل ، والإعراض عن التأمل اعتراف بالتناقض . وقد قال الإمام أبو المعالي : إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لم يكن بأقرب إلى الله عز وجل من يونس بن متى حين كان في بطن الحوت . وقد تقدم .


[14698]:راجع جـ 7 ص 218.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

ولما كان الصانع للشيء عالماً به ، دل على علمه وما تقدم من وصفه بقوله : { هو } أي{[62364]} وحده { الذي خلق السماوات } وجمعها لعلم العرب بتعددها{[62365]} { والأرض } أي الجنس الشامل للكل ، أفردها لعدم توصلهم إلى العلم بتعددها { في ستة أيام } سناً للتأني وتقريراً للأيام التي أوترها سابعها الذي خلق فيه الإنسان الذي دل خلقه باسمه { الجمعة } على أنه المقصود بالذات وبأنه السابع{[62366]} على أنه نهاية المخلوقات - انتهى{[62367]} .

ولما كان تمكن الملك من سرير الملك كناية عن انفراده بالتدبير وإحاطة قدرته وعلمه ، وكان ذلك هو روح الملك ، دل عليه منبهاً على عظمته بأداة التراخي فقال : { ثم استوى } أي أوجد السواء وهو العدل إيجاد من هو شديد العناية { على العرش } المحيط بجميع الموجودات بالتدبير المحكم للعرش وما دونه ومن دونه ليتصور للعباد أن العرش منشأ التدبير ، ومظهر التقدير ، كما يقال في ملوكنا : جلس فلان على سرير الملك ، بمعنى أنه انفرد بالتدبير ، وقد لا يكون هناك سرير فضلاً عن جلوس .

ولما كان المراد بالاستواء الانفراد بالتدبير ، وكان التدبير لا يصح إلا بالعلم والقدرة ، كشفه بقوله دالاًّ على أن علمه بالخفايا{[62368]} كعلمه بالجلايا : { يعلم ما يلج } أي يدخل دخولاً يغيب به { في الأرض } أي من النبات وغيره من أجزاء الأموات وغيرها وإن{[62369]} كان ذلك بعيداً من العرش ، فإن الأماكن كلها بالنسبة إليه على حد سواء في{[62370]} القرب والبعد{[62371]} { وما يخرج منها } كذلك ، وفي التعبير بالمضارع دلالة على ما أودع في الخافقين من القوى فصار بحيث يتجدد منهما ذلك بخلقه تجدد استمرار إلى حين خرابهما .

ولما قرر ذلك فيما قد يتوهم بعده لبعده عن العرش بسفوله{[62372]} تنبيهاً على التنزه عن التحيز فكان أولى بالتقديم ، أتبعه قسيمه وهو جهة العلو تعميماً للعمل بسائر الخلق فقال : { وما ينزل من السماء } ولم يجمع لأن المقصود حاصل بالواحدة{[62373]} مع إفهام التعبير{[62374]} بها الجنس السافل للكل ، وذلك من الوحي والأمطار والحر والبرد وغيرها من الأعيان والمنافع التي يوجدها سبحانه من مقادير أعمار بني آدم وأرزاقهم وغيرها من جميع شؤونهم { وما يعرج } أي يصعد ويرتقي ويغيب { فيها } كالأبخرة والأنوار والكواكب والأعمال وغيرها .

ولما كان من يتسع ملكه يغيب عنه علم بعضه لبعده عنه ، عرف أنه لا مسافة أصلاً بينه وبين شيء من الأشياء فقال : { وهو معكم } أي أيها الثقلان المحتاجان إلى التهذيب بالعلم والقدرة المسببين عن القرب { أين ما كنتم } فهو عالم بجميع أموركم وقادر عليكم تعالياً عن اتصال بالعلم ومماسة ، أو انفصال عنه بغيبة أو مسافة ، قال أبو العباس ابن تيمية في كتابه الفرقان{[62375]} بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان : لفظ " مع " {[62376]} لا يقتضي في لغة العرب أن يكون أحد الشيئين مختلطاً بالآخر لقوله

اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }[ التوبة : 119 ] وقوله : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار } ولفظ " مع " جاءت في القرآن عامة وخاصة ، فالعامة

{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم }[ المجادلة : 7 ] فافتتح الكلام بالعلم واختتمه{[62377]} بالعلم ، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل : هو معهم بعلمه{[62378]} ، وأما المعية الخاصة فقوله تعالى :

{ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون }[ النحل : 128 ] وقوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام :{ إنني معكما أسمع وأرى }[ طه : 46 ] وقال :

{ إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا }[ التوبة : 40 ] يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصدّيق رضي الله عنه ، فهو مع موسى وهارون عليهما السلام دون فرعون ، ومع محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه دون أبي جهل وغيره من أعدائه ، ومع الذين اتقوا والذين هم محسنون دون الظالمين المعتدين ، فلو كان معنى المعية أنه بذاته في كل مكان تناقض الخبر الخاص والخبر العام ، بل المعنى{[62379]} أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك ، وقوله تعالى :

{ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله }[ الزخرف : 84 ] أي هو إله{[62380]} في السماء وإله في الأرض كما قال تعالى :

{ وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم }[ الروم : 27 ] وكذلك في قوله تعالى : { وهو الله في السماوات وفي الأرض } كما فسره أئمة العلم{[62381]} كأحمد وغيره أنه المعبود في السماوات والأرض .

ولما كانت الأعمال منها ظاهر وباطن ، عبر في أمرها باسم الذات دلالة على شمولها بالعلم والقدرة و{[62382]}تنبيهاً على عظمة الإحاطة بها وبكل صفة من صفاته فقال : { والله } أي المحيط بجميع صفات الكمال ، وقدم الجارّ لمزيد الاهتمام والتنبيه على تحقق الإحاطة كما مضى التنبيه عليه غير مرة{[62383]} وتمثيله بنحو : أعرف فلاناً ولا أعرف غيره ؛ فقال : { بما تعملون } أي على سبيل التجدد{[62384]} والاستمرار { بصير * } أي عالم بجلائله ودقائقه .


[62364]:- سقط من ظ.
[62365]:- من ظ، وفي الأصل: بتعدده.
[62366]:- من ظ، وفي الأصل: السابق.
[62367]:- سقط من ظ.
[62368]:- من ظ، وفي الأصل: بالخفاء.
[62369]:- زيد من ظ.
[62370]:- في ظ: البعد والقرب.
[62371]:- في ظ: البعد والقرب.
[62372]:- من ظ، وفي الأصل سفوله.
[62373]:- من ظ، وفي الأصل: بالوحدة.
[62374]:- من ظ، وفي الأصل: بالتعبير.
[62375]:- مثله في الأعلام 1/ 141، وفي ظ "الفرق".
[62376]:- زيد من ظ.
[62377]:- في ظ: ختمه.
[62378]:- من ظ، وفي الأصل: بالعلم.
[62379]:- من ظ، وفي الأصل: بمعنى.
[62380]:- زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[62381]:- من ظ، وفي الأصل: وغيرهم..
[62382]:- من ظ، وفي الأصل: بالابتداء.
[62383]:- زيد من ظ.
[62384]:- من ظ، وفي الأصل: التجديد.