{ إله الناس } معبودهم ، القادر قدرة تامة على التصرف الكامل فيهم إيجادا وإعداما ، المتصف بجميع صفات الكمال والجلال . وأضيف الرب إلى الناس خاصة ، وإن كان تعالى ربا لجميع المخلوقات تشريفا لهم ؛ ولأن الاستعاذة وقت من شر الموسوس في صدور الناس . فكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم ، المالك لأمورهم ، الذي هو إلههم ومعبودهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله : { إلَهِ النّاسِ } يقول : معبود الناس ، الذي له العبادة دون كلّ شيء سواه .
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وقوله :{ إله الناس } معناه: أنه الذي يجب على الناس أن يعبدوه ، لأنه الذي تحق له العبادة دون غيره .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وأمّا { إله الناس } فخاص لا شركة فيه ، فجعل غاية للبيان .
فإن قلت : فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرّة واحدة ؟ قلت : لأنّ عطف البيان للبيان ، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار .
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
فتأمل هذه الجلالة ، وهذه العظمة ، التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام ، وأحسن سياق : { رب الناس * ملك الناس * إله الناس } . وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان ، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى . أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى : فإن الرب : هو القادر الخالق ، البارئ المصور ، الحي القيوم ، العليم السميع البصير ، المحسن المنعم ، الجواد المعطي ، المانع ، الضار النافع ، المقدم المؤخر ، الذي يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، ويسعد من يشاء ، ويشقي من يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى . وأما الملك : فهو الآمر الناهي ، المعز المذل ، الذي يصرف أمور عباده كما يحب ، ويقلبهم كما يشاء ، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى ، كالعزيز ، الجبار ، المتكبر ، الحكم ، العدل ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، العظيم ، الجليل ، الكبير ، الحسيب ، المجيد ، الوالي ، المتعالي ، مالك الملك ، المقسط ، الجامع ، إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك . وأما الإله : فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال . فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى ، ولهذا كان القول الصحيح : أن «الله » أصله الإله . كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه ، إلا من شذ منهم ، وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى . فقد تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى ، فكان المستعيذ بها جديرا بأن يعاذ ويحفظ ، ويمنع من الوسواس الخناس ، ولا يسلط عليه . وأسرار كلام الله أجل وأعظم من أن تدركها عقول البشر ، وإنما غاية أولي العلم الاستدلال بما ظهر منها على ما وراءه ، وإن باديه إلى الخافي يسير . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ إله الناس } إشارة إلى أنه كما انفرد بربوبيتهم وملكهم لم يشركه في ذلك أحد ، فكذلك هو وحده إلههم لا يشركه في إلهيته أحد ....
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والله رب كل شيء ، وملك كل شيء ، وإله كل شيء . ولكن تخصيص ذكر الناس هنا يجعلهم يحسون بالقربى في موقف العياذ والاحتماء . والله - برحمة منه - يوجه رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] وأمته إلى العياذ به والالتجاء إليه ، مع استحضار معاني صفاته هذه ، من شر خفي الدبيب ، لا قبل لهم بدفعه إلا بعون من الرب الملك الإله . فهو يأخذهم من حيث لا يشعرون ، ويأتيهم من حيث لا يحتسبون . والوسوسة : الصوت الخفي . والخنوس : الاختباء والرجوع . والخناس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس .
ولما كان الملك قد لا يكون إلهاً ، وكانت الإلهية خاصة لا تقبل شركاً أصلاً بخلاف غيرها ، أنهي الأمر إليها ، وجعلت غاية البيان ، فقال : { إله الناس * } إشارة إلى أنه كما انفرد بربوبيتهم وملكهم لم يشركه في ذلك أحد ، فكذلك هو وحده إلههم لا يشركه في إلهيته أحد ، وهذه دائماً طريقة القرآن يحتج عليهم بإقرارهم بتوحيدهم له في الربوبية والملك على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة ، فمن كان ربهم وملكهم فهم جديرون بأن لا يتألهوا سواه ، ولا يستعيذوا بغيره ، كما أن أحدهم إذا دهمه أمر استعاذ بوليه من أبناء جنسه واستغاث به ، والإله من ظهر بلطيف صنائعه التي أفادها مفهوم الرب والملك في قلوب العباد فأحبوه واستأنسوا به ، ولجأوا إليه في جميع أمورهم ، وبطن احتجاباً بكبريائه عن أن يحاط به ، أو بصفة من صفاته ، أو شيء من أمره ، فهابته العباد ، ودعاهم الحب إلى الوله شوقاً إلى لقائه ، وزجرتهم الهيبة فجزعوا خوفاً من طرده لهم عن فنائه ، وكرر الاسم الظاهر دون أن يضمر فيقول مثلاً : { ملكهم } { إلههم } تحقيقاً لهذا المعنى ، وتقوية له بإعادة اسمهم الدال على شدة الاضطراب المقتضي للحاجة عند كل اسم من أسمائه الدال على الكمال المقتضي للغنى المطلق ، ودلالة على أنه حقيق بالإعادة ، قادر عليها ، لبيان أنه المتصرف فيهم من جميع الجهات ، وبياناً لشرف الإنسان ، ومزيد الاعتماد بمزيد البيان ، ولئلا يظن أن شيئاً من هذه الأسماء يتقيد بما أضيف إليه الذي قبله من ذلك الوجه ؛ لأن الضمير إذا أعيد كان المراد به عين ما عاد إليه ، فأشير بالإظهار إلى أن كل صفة منها عامة غير مقيدة بشيء أصلاً ، واندرج في هذه الاستعاذة جميع وجوه الاستعاذات من جميع وجوه التربية وجميع الوجوه المنسوبة إلى المستعيذ من جهة أنه في قهر الملك بالضم ، وجميع الوجوه المنسوبة إلى الإلهية لئلا يقع خلل في وجه من تلك الوجوه تنزيلاً لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات ، إشعاراً بعظم الآفة المستعاذ منها ، ولم يعطف بالواو لما فيها من الإيذان بالمغايرة ، والمقصود الاستعاذة بمجموع هذه الصفات الواقعة على ذات واحدة ، حتى كأنها صفة واحدة ، وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب على حد سواء ، فلا فعل لأحد إلا وهو خلقه سبحانه وتعالى ، وهو الباعث عليه ، وأخر الإلهية لخصوصها ؛ لأن من لم يتقيد بأوامره ونواهيه فقد أخرج نفسه من أن يجعله إلهه ، وإن كان في الحقيقة لا إله سواه ، ووسط صفة الملك ؛ لأن الملك هو المتصرف بالأمر والنهي ، وملكه لهم تابع لخلقه إياهم ، فملكه من كمال ربوبيته ، وكونه إلههم الحق من كمال ملكه ، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه ، وملكه يستلزم إلهيته وتقتضيها ، وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان ، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى ، فإن الرب هو القادر الخالق إلى غير ذلك مما يتوقف الإصلاح والرحمة والقدرة التي هي معنى الربوبية عليه من أوصاف الجمال ، والملك هو الآمر الناهي المعز المذل ، إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى العظمة والجلال ، وأما الإله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال ، فيدخل فيه جميع الأسماء الحسنى ، فلتضمنها جميع معاني الأسماء كان المستعيذ جديراً بأن يعوذ ، وقد وقع ترتيبها على الوجه الأكمل الدال على الوحدانية ؛ لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة ، علم أن له مربياً ، فإذا تغلغل في العروج في درج معارفه سبحانه وتعالى علم أنه غني عن الكل ، والكل إليه محتاج ، وعن أمره تجري أمورهم ، فيعلم أنه ملكهم ، ثم يعلم بانفراد بتدبيرهم بعد إبداعهم أنه المستحق للإلهية بلا مشارك له فيها ، فقد أجمع القراء في هذه السورة على إسقاط الألف من { ملك } بخلاف الفاتحة كما مضى ؛ لأن الملك إذا أضيف إلى { اليوم } أفهم اختصاصه بجميع ما فيه من جوهر وعرض ، وأنه لا أمر لأحد معه ، ولا مشاركة في شيء من ذلك ، وهو معنى المُلك بالضم ، وأما إضافة المالك إلى الناس فإنها تستلزم أن يكون ملكهم ، فلو قرىء به هنا لنقص المعنى ، وأطبقوا في آل عمران على إثبات الألف في المضاف وحذفها من المضاف إليه ؛ لأن المقصود بالسياق أنه سبحانه وتعالى يعطي الملك من يشاء ويمنعه من يشاء ، والمِلك - بكسر الميم - أليق بهذا المعنى ، وأسرار كلام الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تحيط بها العقول ، وإنما غاية أولي العلم الاستدلال بما ظهر منها على ما وراءه ، وأن باديه إلى الخافي يشير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.