صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

{ قل يأيها الكافرون } خطاب لرهط من مشركي قريش ؛ طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم سنة ، ويعبدوا إلهه سنة . فقال عليه الصلاة والسلام : " معاذ الله أن أشرك به غيره ! " ، ثم نزلت السورة ؛ فغدا إلى المسجد الحرام وفيه الملا من قريش ، فقام صلى الله عليه وسلم على رءوسهم فقرأها عليهم ، فأيسوا . وقد علم الله من أمرهم أنهم لا يؤمنون أبدا ؛ فأمره تعالى أن يقول لهم : { لا أعبد ما تعبدون } .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الكافرون مكية ، وآياتها ست ، نزلت بعد سورة الماعون . رُوي أن جماعة من زعماء قريش أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، هلمّ فلنعبد ما تعبد ، وتعبد أنت ما نعبد ، ونشركك في أمرنا كله . فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه . وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت منه بحظك . فأنزل الله تعالى { قل يا أيها الكافرون } . وكان نزولها أمرا قاطعا لأطماع الكافرين في مساواتهم إياه في دعوة الحق ، وقررت هذه السورة الكريمة البراءة من الشرك والضلال .

الخطابُ للنبيّ الكريم عليه الصلاةُ والسلام . وكان المشركون من زعماءِ قومِه عَرَضوا عليه أن يعبُدوا اللهَ سَنَةً على أن يَعبُدَ النبيُّ الكريم آلهتهم سنةً مثلَها . فنزلت هذه السورةُ جواباً لهم : { قُلْ } يا محمد لهؤلاءِ المشركين الّذين سألوك أن تعبدَ آلهتهم على أن يعبدوا إلهك { يا أيها الكافرون } بالله .

     
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

لما أخبره في الكوثر أن العريق في شنآنه عدم ، وجب أن يعرض عنه ويقبل بكليته على من أنعم عليه بذلك ، فقال معلماً له ما يقول ويفعل : { قل } ولما كان شائنه أعرق الخلق في الضلال والبعد من الخير ، قال منادياً له بأداة البعد ، وإن كان حاضراً ، معبراً بالوصف المؤذن بالرسوخ : { يا أيها الكافرون } أي الذين قد حكم بثباتهم على الكفر ، فلا انفكاك لهم عنه ، فستروا ما تدل عليه عقولهم من الاعتقاد الحق لو جردوها من أدناس الحظ ، وهم كفرة مخصوصون ، وهم من حكم بموته على الكفر بما طابقه من الواقع ، وبما دل عليه التعبير بالوصف دون الفعل ، واستغرقت اللام كل من كان على هذا الوصف في كل مكان وكل زمان ، وإنما عبر بالجمع الذي هو أصل في القلة ، وقد يستعار للكثرة إشارة إلى البشارة بقلة المطبوع على قلبه من العرب المخاطبين بهذا في حياته صلى الله عليه وسلم ، وإشارة إلى حقارة الكافر وذلته وإن كان كثيراً ، كما يشير إليه جعل كل كلمة منها بحرف من الكوثر كما سيأتي ، وفي مناداتهم بهذا الوصف الذي يسترذلونه في بلدتهم ، ومحل عزهم وحميتهم ، إيذان بأنه محروس منهم علماً من أعلام النبوة .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما انقضى ذكر الفريقين المتردد ذكرهما في الكتاب العزيز من أوله إلى آخره على اختلاف أحوال كل فريق وشتى درجاتهم ، وأعني بالفريقين من أشير إليه في قوله سبحانه وتعالى : { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } فهذا طريق أحد الفريقين ، وفي قوله : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } إشارة إلى طريق من كان في الطرف الآخر من حال أولئك الفريق ؛ إذ ليس إلا طريق السلامة ، أو طريق الهلاك :{ فريق في الجنة وفريق في السعير }[ الشورى : 7 ]

{ فمنكم كافر ومنكم مؤمن }[ التغابن : 2 ] والسالكون طريق السلامة فأعلى درجاتهم مقامات الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ثم يليهم أتباعهم من صالحي العباد وعلمائهم العاملين وعبادهم ، وأهل الخصوص منهم والقرب من أحوال من تنسك منهم ، ورتبتهم مختلفة ، وإن جمعهم جامع ، وهو قوله : { فريق في الجنة } وأما أهل التنكب عن هذا الطريق -وهم الهالكون- فعلى طبقات أيضاً ، ويضم جميعهم طريق واحد ، فكيفما تشعبت الطرق فإلى ما ذكر من الطريقين مرجعهما ، وباختلاف سبل الجميع عرفت آي الكتاب وفصلت ، ذكر كله تفصيلاً لا يبقى معه ارتياب لمن وفق ، فلما انتهى ذلك كله بما يتعلق به ، وتداولت بيانه الآي من لدن قوله بعد أم القرآن{ هدى للمتقين }[ البقرة : 2 ] إلى قوله : { إن شانئك هو الأبتر } أتبع ذلك بالتفاصيل والتسجيل فقال تعالى : { قل يا أيها الكافرون } فبين سبحانه أن من قضي عليه بالكفر والوفاة عليه لا سبيل له إلى خروجه عن ذلك ، ولا يقع منه الإيمان أبداً{ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله }[ الأنعام : 111 ] ولو أنهم بعد عذاب الآخرة ومعاينة العذاب والبعث وعظيم تلك الأهوال وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا وقولهم :{ ربنا فارجعنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل }[ السجدة : 12 ] فلو أجيبوا إلى هذا ورجعوا لعادوا إلى حالهم الأول{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه }[ الأنعام : 128 ] تصديقاً لكلمة الله ، وإحكاماً لسابق قدره :{ أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار }[ الزمر :19 ] فقال لهم : { لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } إلى آخرها ، فبان أمر الفريقين وارتفع الإشكال ، واستمر كل على طريقه{ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات }[ فاطر : 8 ]

{ إن عليك إلا البلاغ }[ الشورى : 48 ] فتأمل موقع هذه السورة ، وأنها الخاتمة لما قصد في الكتاب ، يلح لك وجه تأخيرها - والله أعلم - انتهى .