لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي ست آيات ، وست وعشرون كلمة ، وأربعة وتسعون حرفا .

عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ { إذا زلزلت } عدلت له نصف القرآن ، ومن قرأ { قل يا أيها الكافرون } عدلت له ربع القرآن ، ومن قرأ { قل هو الله أحد } عدلت له ثلث القرآن " ، أخرجه الترمذي وقال : حديث غريب ، وله عن ابن عباس نحوه ، وقال فيه غريب ، ووجه كون هذه السورة تعدل ربع القرآن أن القرآن مشتمل على الأمر والنهي ، وكل واحد منهما ينقسم إلى ما يتعلق بعمل القلوب ، وإلى ما يتعلق بعمل الجوارح ، فحصل من ذلك أربعة أقسام وهذه السورة مشتملة على النهي عن عبادة غير الله تعالى ، وهي من الاعتقاد ، وذلك من أفعال القلوب ، فكانت هذه السورة ربع القرآن على هذا التقسيم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

قوله عزّ وجلّ : { قل يا أيها الكافرون } إلى آخر السّورة نزلت في رهط من قريش منهم الحارث بن قيس السّهمي ، والعاص بن وائل السهمي ، والوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد ، وأمية بن خلف ، قالوا : يا محمد هلم اتبع ديننا ونتبع دينك ، ونشركك في ديننا كله تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيراً كنا قد شركناك فيه ، وأخذنا حظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيراً كنت قد شركتنا في أمرنا ، وأخذت بحظك منه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " معاذ الله أن أشرك به غيره " . قالوا : فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ، ونعبد إلهك ، قال : " حتى أنظر ما يأتي من ربي " ، فأنزل الله { قل يا أيها الكافرون } إلى آخر السورة ، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه أولئك الملأ من قريش ، فقام على رؤوسهم ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السّورة ، فأيسوا منه عند ذلك ، وآذوه وأصحابه . وقيل : إنهم لقوا العباس ، فقالوا : يا أبا الفضل ، لو أن ابن أخيك استلم بعض آلهتنا لصدقناه فيما يقول ، ولآمنّا بإلهه ، فأتاه العباس ، فأخبره بقولهم ، فنزلت هذه السّورة . وقيل : نزلت في أبي جهل والمستهزئين ، ومن لم يؤمن منهم .

ومعنى ذلك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بتبليغ الرّسالة بجميع ما أوحي إليه ، فلما قال الله تعالى :{ قل يا أيها الكافرون } أداه النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه من جبريل عليه السّلام ، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال : أمرت بتبليغ جميع ما أنزل الله عليّ ، وكان فيما نزل عليه { قل يا أيها الكافرون } . وقيل : إن النّفوس تأبى سماع الكلام الغليظ الشّنيع من النّظير ، ولا أشنع ولا أغلظ من المخاطبة بالكفر ، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال : ليس هذا من عندي ، إنما هو من عند الله عزّ وجلّ ، وقد أنزل الله عليَّ { قل يا أيها الكافرون } والمخاطبون بقوله : يا أيّها الكافرون ، كفرة مخصوصون قد سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون .