فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الكافرون

هي ست آيات وهي مكية في قول ابن مسعود والحسن وعكرمة . ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزلت سورة " يا أيها الكافرون " بمكة . وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال : أنزلت " يا أيها الكافرون " بالمدينة . وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهذه السورة ، وبقل هو الله أحد في ركعتي الطواف " . وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في ركعتي الفجر . وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان وابن مردويه عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بضعاً وعشرين مرة ، أو بضع عشرة مرة { قل يا أيها الكافرون } و{ قل هو الله أحد } " . وأخرج الحاكم وصححه عن أبي قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ب " سبح " ، و{ قل يا أيها الكافرون } و{ قل هو الله أحد } وأخرج محمد بن نصر والطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن ، و " قل يا أيها الكافرون " تعدل ربع القرآن ، وكان يقرأ بهما في ركعتي الفجر " . وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قرأ يا أيها الكافرون كانت له عدل ربع القرآن " . وأخرج الطبراني في الصغير والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ { قل يا أيها الكافرون } فكأنما قرأ ربع القرآن ، ومن قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن " . وأخرج أحمد وابن الضريس والبغوي وحميد بن زنجويه في ترغيبه عن شيخ أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فمر برجل يقرأ { قل يا أيها الكافرون } فقال أما هذا فقد برئ من الشرك ، وإذا آخر يقرأ { قل هو الله أحد } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بها وجبت له الجنة " وفي رواية " أما هذا فقد غفر له " . وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن الأنباري في المصاحف عن أبيه " قال : يا رسول الله علمني ما أقول إذا أويت إلى فراشي قال اقرأ { قل يا أيها الكافرون } ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك " . وأخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن مردويه عن عبد الرحمان بن نوفل الأشجعي عن أبيه مرفوعاً مثله . وأخرج ابن مردويه عن البراء قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنوفل بن معاوية الأشجعي : إذا أتيت مضجعك للنوم فاقرأ { قل يا أيها الكافرون } فإنك إذا قلتها فقد برئت من الشرك " . وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن الحارث بن جبلة ، وقال الطبراني عن جبلة بن حارثة ، وهو أخو زيد بن حارثة قال : " قلت يا رسول الله علمني شيئاً أقوله عند منامي قال : إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ { قل يا أيها الكافرون } حتى تمر بآخرها فإنها براءة من الشرك " . وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : اقرأ { قل يا أيها الكافرون } عند منامك فإنها براءة من الشرك " . وأخرج أبو يعلى والطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدلكم على كلمة تنجيكم من الإشراك بالله تقرؤون { قل يا أيها الكافرون } عند منامكم . وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه عن خباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أخذت مضجعك فاقرأ { قل يا أيها الكافرون } وإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت فراشه قط إلا قرأ { قل يا أيها الكافرون } حتى يختم " . وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لقي الله بسورتين فلا حساب عليه { قل يا أيها الكافرون } و{ قل هو الله أحد } " . وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي مسعود الأنصاري قال : من قرأ { قل يا أيها الكافرون } و{ قل هو الله أحد } في ليلة فقد أكثر وأطاب .

الألف ، واللام في : { يا أيها الكافرون } للجنس ، ولكنها لما كانت الآية خطاباً لمن سبق في علم الله أنه يموت على كفره كان المراد بهذا العموم خصوص من كان كذلك ، لأن من الكفار عند نزول هذه الآية من أسلم وعبد الله سبحانه . وسبب نزول هذه السورة أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم سنة ، ويعبدوا إلهه سنة ، فأمره الله سبحانه أن يقول لهم : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } .

/خ6