{ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ } أي : إذا دعي لتوحيده ، وإخلاص العمل له ، ونهي عن الشرك به { كَفَرْتُمْ } به واشمأزت لذلك قلوبكم ونفرتم غاية النفور .
{ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا } أي : هذا الذي أنزلكم هذ المنزل وبوأكم هذا المقيل والمحل ، أنكم تكفرون بالإيمان ، وتؤمنون بالكفر ، ترضون بما هو شر وفساد في الدنيا والآخرة ، وتكرهون ما هو خير وصلاح في الدنيا والآخرة .
تؤثرون سبب الشقاوة والذل والغضب وتزهدون بما هو سبب الفوز والفلاح والظفر { وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا }
{ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } العلي : الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه ، علو الذات ، وعلو القدر ، وعلو القهر ومن علو قدره ، كمال عدله تعالى ، وأنه يضع الأشياء مواضعها ، ولا يساوي بين المتقين والفجار .
{ الْكَبِيرُ } الذي له الكبرياء والعظمة والمجد ، في أسمائه وصفاته وأفعاله المتنزه عن كل آفة وعيب ونقص ، فإذا كان الحكم له تعالى ، وقد حكم عليكم بالخلود الدائم ، فحكمه لا يغير ولا يبدل .
قوله تعالى : " ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم " " ذلكم " في موضع رفع أي الأمر " ذلكم " أو " ذلكم " العذاب الذي أنتم فيه بكفركم . وفي الكلام متروك تقديره فأجيبوا بأن لا سبيل إلى الرد . وذلك لأنكم " إذا دعي الله " أي وحد الله " وحده كفرتم " وأنكرتم أن تكون الألوهية له خاصة ، وإن أشرك به مشرك صدقتموه وآمنتم بقوله . قال الثعلبي : وسمعت بعض العلماء يقول : " وإن يشرك به " بعد الرد إلى الدنيا لو كان .
" تؤمنوا " تصدقوا المشرك ، نظيره : " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " . " فالحكم لله العلي الكبير " عن أن تكون له صاحبة أو ولد .
{ ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم } الباء سببية للتعليل والإشارة بذلكم يحتمل أن تكون للعذاب الذي هم فيه أو إلى مقت الله لهم أو مقتهم لأنفسهم والأحسن أن تكون إشارة إلى ما يقتضيه سياق الكلام وذلك أنهم لما قالوا : { فهل إلى خروج من سبيل } كأنهم قيل لهم : لا سبيل إلى الخروج فالإشارة بقوله : { ذلكم } إلى عدم خروجهم من النار .
ولما كان الجواب قطعاً : لا سبيل إلى ذلك ، علله بقوله : { ذلكم } أي القضاء النافذ العظيم العالي بتخليدكم في النار مقتاً منه لكم { بأنه } أي كان بسبب أنه { إذا دُعي الله } أي وجدت ولو مرة واحدة دعوة الملك الأعظم من أي داع كان { وحده } أي محكوماً له بالوحدة أو منفرداً من غير شريك { كفرتم } أي هذا طبعكم دائماً رجعتم إلى الدنيا أولاً { وإن يشرَك به } أي يوقع الإشراك به ويجدد ولو بعدد الأنفاس من أي مشرك كان { تؤمنوا } أي بالشركاء وتجددوا ذلك غير متحاشين ومن تجديد الكفر وهذا مفهم لأن حب الله للإنسان أكبر من حبه له الدال عليه توفيقه له في أنه إذا ذكر الله وحده آمن ، وإن ذكر معه غيره على طريقة تؤل إلى الشركة كفر بذلك الغير وجعل الأمر لله وحده { فالحكم } أي فتسبب عن القطع بأن لا رجعة ، وأن الكفار ما ضروا إلا أنفسهم مع ادعائهم العقول الراجحة ونفوذ ذلك أن كل حكم { لله } أي المحيط بصفات الكمال خاص به لا دخل للعوائد في أحكامه بل مهما شاء فعل إجراء على العوائد او خرقاً لها { العلي } أي وحده عن أن يكون له شريك ، فكذب قول أبي سفيان يوم أحد " اعل هبل " وقول ابن عربي أحد أتباع فرعون أكذب وأقبح وأبطل حيث قال : العلي علا عن من وما ثم إلا هو ، فعليه الخزي واللعنة وعلى من قال بقوله وعلى من توقف في لعنه .
ولما كانت النفوس لا تنقاد غاية الانقياد للحاكم إلا مع العظمة الزائدة والقدم في المجد ، قال معبراً بما يجمع العظمة والقدم : { الكبير * } الذي لا يليق الكبر إلا له ، وكبر كل متكبر وكبر كل كبير متضائل تحت دائرة كبره وكبره ، وعذابه مناسب لكبريائه فما أسفه من شقي بالكبراء فإنهم يلجئون أنفسهم إلى أن يقولوا ما لا يجديهم { ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا } :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.