الآية 12 وقوله تعالى : { وما يستوي البحران هذا عذب فُرات سائغٌ شرابه وهذا مِلح أُجاج } فيه وجوه من المعتبر :
أحدها : يذكر ألا يستوي في الحكمة الخبيث من الرجال والطيّب منهم كما لا يستوي المالح من الماء والأجاج ، والعذب منه والسائغ ، وقد استوى الطيّب من الرجال والخبيث في منافع الدنيا ومأكلاتها . وفي الحكمة التفريق بينهما والتمييز . دل أن هنالك دارا تميّز بينهما ، وتفرّق ، إذ قد يُستوى في منافع [ الدنيا ]{[17190]} وحطامها . وفي الحكمة التفريق والتمييز لا الجمع والاستواء . وذلك يدل على البعث .
والثاني : فيه أن المنشأ من الأشياء في هذه الدنيا والمخلوق لم يُنشئهما الله تعالى لحاجة نفسه ، ولكن لحوائج الخلق ومنافعهم وما يكون لهم العبرة في ذلك ، إذ من أنشأ شيئا لحاجة نفسه أنشأ ألذ الأشياء وأحلاها وأنفعها له لا مرّا مالحا أُجاجا ما لا ينتفع به .
يخبر عن غناه عما أنشأ من الأشياء ليُعلِم أنه لم يُنشئها ، لحوائج نفسه ، ولكن لما ذكرنا .
وهو على المعتزلة في قولهم ، إنه لم يخلق شيئا ، لا يُنتفع به ، وإنه لا يفعل إلا{[17191]} ما هو أصلح لهم في الدين ، إذ قد أنشأ ماء أجاجا مالحا ، لا ينتفع به ، ليكون لهم العبرة في ذلك .
والثالث : فيه ترغيب في إيمان الخبيث الكافر ، ودفع الإياس من توحيده{[17192]} ، وقطع الرجاء عن [ عوده إلى الكفر حين ]{[17193]} أخبر عما يأكلون من الماء المالح الأجاج والعذب السائغ جميعا اللحم الطّري [ ما حق ]{[17194]} مثله إذا ألقي فيه أو في مثله اللحم الطّري أن يفسُد{[17195]} من ساعته . ويذكّرهم أيضا عن قدرته : أن من قدر على حفظ ما ذكر من اللحم الطري في الماء الذي لا يقدر على الدُّنو منه والقرب [ من الخوض فيه والذوق منه ]{[17196]} فضلا أن يكون فيه حفظ ما ذكر من الإفساد ، فمن قدر على هذا لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه شيء .
والرابع : يذكر نعمه التي أنعمها عليهم حين{[17197]} قال : { ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حِلية تلبسونها } يذكر عظم نعمه وقدرته حين{[17198]} جعل البحار مسخّرة مذلّلة ، يقدرون على استخراج ما فيها من الحلى والجواهر والوصول إلى المنافع التي هي وراء البحار وقطعها بسفن أنشأها لهم ، وأجراها في الماء .
بل الأعجوبة في إجراء السُّفن بالرياح في المياه الراكدة الساكنة أعظم وأكثر من جريانها على جرية الماء لأنها في الماء الجاري لا تجري إلى على الوجه الذي يجري الماء ، وفي البحار تجري بريح واحدة من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل حيث شاء{[17199]} . دل أن الأعجوبة في هذا أكثر وأعظم . ومن ملك هذا لا يعجزه شيء .
[ ويحتمل ]{[17200]} أن يكون المثل الذي ذكر في البحرين : أحدهما عذب ماؤه [ والآخر ]{[17201]} أجاج ماؤه ، يكون للعمل الصالح ، وهو التوحيد ، وللعمل السّيء ، وهو الكفر ، يقول{[17202]} : كما لا يستوي في الفضل الماء العذب والماء المالح ، فعلى ذلك لا يستوي العمل الصالح والعمل السّيء .
وقوله تعالى : { وترى الفُلك فيه مواخر } قال بعضهم : مواخر تجريان ، إحداهما مقبلة ، والأخرى مدبرة بريح واحدة ، وتستقبل إحداهما الأخرى . وقال بعضهم : المواخر هي التي تشق الماء ، وتقطعه ، من مَخَر يمخُر ، وقد ذكرناه في ما تقدم .
وقوله تعالى : { لتبتغوا من فضله } هذا يدل أن ما يصاب بالأسباب والمكاسب إنما هو فضل الله ، إذ قد يكتسب [ المرء ، ولا يكون له منه سبب ]{[17203]} والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.