تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ هُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِۦ لَخَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (31)

الآية 31 وقوله تعالى : { والذي أوحينا إليك } يا محمد { من الكتاب } وهو القرآن { هو الحق } أنه من عند الله { مصدّقا لما بين يديه } أي موافقا للكتب التي قبله .

ثم يكون وفاقه إياها بأحد شيئين : إما في الأخبار والأنباء ، أي توافق الأنباء والأخبار التي في القرآن أنباء الكتب المتقدمة وأخبارها ، ويصدّق بعضها بعضا . فكذلك كانت كلها داعية إلى توحيد الله والعبادة له والطاعة .

[ وإما في ]{[17282]} الأحكام . فإن كانت الموافقة في الأحكام ففيها الناسخ والمنسوخ .

ألا ترى أن في القرآن ناسخا ومنسوخا ؟ ثم أخبر أنه لو كان عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا . ولو كان الناسخ والمنسوخ مختلفا{[17283]} في الحقيقة لكان من عند غير الله على ما أخبر . دل أن بينهما وِفاقا{[17284]} ، ليس باختلاف .

وقال بعضهم : إن محمدا يصدّق ما قبله من الكتب والرسل ، وهو ما ذكرنا أن جميع الكتب والرسل إنما تدعو الخلق إلى توحيد الله وعبادته .

وقوله تعالى : { إن الله بعباده لخبير بصير } أي لخبير بصير بما به مصالحهم ، أو { لخبير بصير } أي على علم وبصيرة منه بتكذيب القوم رسلهم بعث الرسل إليهم ، لا عن جهل منه بذلك . وذلك ، لا يُخرجه عن الحكمة كما قال بعض الملاحدة أن ليس بحكيم من بعث الرسل إلى من يعلم أنه يكذّبه ، ويردّ رسالته . فهكذا لو كان بعث الرسل لحاجة المرسِل ، ولمنفعة يكون إرساله وبعثه [ الرسل ]{[17285]} إلى من يعلم أنه يكذبه ، ويرد رسالته .

فأما الله عز وجل فيتعالى عن إرسال الرسل لحاجة أو لمنفعة ، بل لحاجة المبعوث إليه والمرسل ، لم يخرج علمه بردّه وتكذيبه عن الحكمة . والتوفيق بالله .

[ ويحتمل ]{[17286]} أن يكون قوله : { لخبير بصير } يخرّج على الوعيد ، أي عالم بأحوالهم وأفعالهم ليكونوا أبدا على حذر ومراقبة ، والله أعلم .


[17282]:في الأصل وم: أو.
[17283]:في الأصل وم: خلافا.
[17284]:. في الأصل وم: وفاق.
[17285]:ساقطة من الأصل وم
[17286]:في الأصل وم: أو.