تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ} (27)

الآية 27 وقوله تعالى : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها } إلى آخر ما ذكر ، فيه فوائد من الحكمة .

أحدها : أنه جعل عز وجل ، طبع الماء مما يلائم ، ويوافق طباع هذه الثمرات على اختلاف جواهرها وألوانها حتى تكون حياة كل شيء منها وقوامه بهذا الماء . وكذلك جعل طبع هذا الماء ملائما موافقا طباع جميع الخلائق من البشر والدواب ، والطير والوحش وجميع الحيوان على اختلاف جواهرهم وأصنافهم وغذائهم حتى صار هو غذاء وحياة لهم وقياما به ليُعلم أن من ملك هذا ، وقدر [ على ]{[17259]} توفيق هذا على اختلاف ما ذكرنا من الجواهر والأغذية وتدبيره ، لا يُعجزه إنشاء شيء من لا شيء ، ولا يخفى عليه شيء .

وفي ذلك دلالة البعث : أن من بلغت قدرته وتدبيره وعلمه هذا المبلغ ، لا يُعجزه ، ولا يخفى عليه شيء .

والثاني : أنه أنشأ ما ذكر من مختلف الأشياء والجواهر بهذا الماء ، وجعله سببا لحياة ما ذكر من البشر والدّواب وغيره من غير أن يكون في ذلك الماء الذي أنشأ ذلك منه ، وجعله سببا لحياتهم من أثر فيه أو من جنسه ليُعلَم أنه لم يكن إنشاء هذه الأشياء بهذا الماء ولا جعله سببا لها على الاستعانة به والتقوية ، بل إعلاما للخلق أسباب مطالب الغذاء والفضل لهم . إذ لو كان على الاستعانة وجعله سببا له في إنشاء ذلك لكان تكوّن تلك الأشياء المُنشأة [ مشاكلا للماء مشابها ]{[17260]} له . دل أنه جعل ذلك سببا للخلق في الوصول إلى ما ذكرنا من الأغذية لهم من غير أن يروا أرزاقهم من تلك الأسباب والمكاسب ، ولكن من فضل الله .

والثالث : [ أنه ]{[17261]} أنشأ هذه الفواكه والثمرات مختلفة ألوانها وطعومها مما علم من البشر من الملالة والسآمة من نوع واحد ولون واحد ليُتمّ نعمه عليهم ليستأدي بذلك الشكر عليها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ومن الجبال جُدَدٌ بيض وحُمر مختلف ألوانها وغرابيب سود } قال بعضهم : أنشأ الجبال أيضا مختلفة من بيض وحمر وغرابيب كما أنشأ الثمرات والدوابّ والحيوان كلها مختلفة .

وقال بعضهم : ذلك وصف ، وصفها بالسواد للطرق التي أنشأها في الجبال .


[17259]:ساقطة من الأصل وم.
[17260]:في الأصل وم: مشاكلة للماء مشابهة.
[17261]:ساقطة من الأصل وم.