تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

الآية 28 [ وقوله تعالى ]{[17262]} { ومن الناس والدّواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك } كاختلاف الجبال والثمار .

[ وقوله تعالى ]{[17263]} : { وغرابيب سود } جمع غربيب ، وهو الشديد السواد ، يقال : أسود غربيب ، وهو [ ما قال ]{[17264]} القتبي وأبو عوسجة . ورجل غربيب الشعر أي أسود الشعر ، ومأخذه من الغراب لأنه أسود ، والجُدَد الخطوط والطرائق في الجبال .

وقال أبو عوسجة : الجُدّة [ الخطّة ، والجُدَد ]{[17265]} جمع خطوط ، يقال : جددت أي خططت ، يقال : ثوب جديد ، وثياب جُدُدٌ [ { ومن الجبال جُدَدٌ } ]{[17266]} أي طرائق مختلفة ألوانها /441-ب/ بعضها بيض ، وبضعها غرابيب ، وهي سود .

يًُذكّره{[17267]} قدرته وتدبيره أن الجبال مع غلظتها وشدتها وارتفاعها جعلها بحيث يتطرّق منها في صعودها وهبوطها ، فمن قدر على هذا لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه شيء . أو يذكّره نعمه عليهم حين{[17268]} سخّرها لهم ليقضوا فيها حوائجهم في ما بعُد عنهم ، وصعُب عليهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } هذا يحتمل وجوها :

أحدهما : أن الذي يحق على العالم بالله أن يخشاه لما يعلم من سلطانه وهيبته وقدرته وجلاله .

والثاني : أن العالِم بالبعث ، هو{[17269]} المؤمن به ، وهو يخشى مخالفة الله في أوامره ونواهيه لما يعلم من نقمته وعذابه من خالفه ، وعصى أمره ، فأما من لم يعلم بالبعث ، ولم يؤمن به ، فلا يخافه ، كقوله : { والذين آمنوا مشفقون منها } [ الشورى : 18 ] وقوله : { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } [ المؤمنون : 57 ] ونحوه .

[ والثالث ]{[17270]} : أن يكون قوله : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } عباده من جملة المؤمنين . يقول : والله أعلم : إنما يخشى الله من عباده المؤمنون به المصدّقون عذابه ونقمته . فأما من لم يؤمن به فلا يخافه كما ذكرنا في قوله : { إن في ذلك لآيات لكل صبّار شكور } [ إبراهيم : 5 و . . ] إن في ذلك لآيات لكل مؤمن ، ويكون الصّبار والشّكور كناية عن المؤمن . فعلى ذلك هذا محتمل .

وقال أهل التأويل : على التقديم والتأخير : [ إن أشد ]{[17271]} الناس لله خشية أعلمهم بالله .

والخشية قال الحسن : هي الخوف الدائم واللازم في القلب غير مفارق له ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن الله عزيز غفور } قال بعضهم : العزيز المنتقم من أعدائه ، والغفور لذنوب المؤمنين .

وقال بعضهم : { عزيز } في مُلكه ، ومن دونه ذليل { غفور } ستور على ذنوب المؤمنين .


[17262]:ساقطة من الأصل وم.
[17263]:في الأصل وم: كذلك.
[17264]:ساقطة من الأصل وم.
[17265]:في الأصل وم: والخطة الجدد.
[17266]:من م، ساقطة من الأصل.
[17267]:في الأصل وم: يذكر.
[17268]:في الأصل وم: حيث.
[17269]:في الأصل وم: وهو.
[17270]:في الأصل وم: أو.
[17271]:في الأصل: أي، في م: أي أشد.