تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

الآية 18 وقوله تعالى : { ولا تزرُ وازرة وِزر أخرى وإن تدع مُثقلة إلى حِملها لا يُحمل منه شيء } كأن هذا صلة قوله : { اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } الآية [ العنكبوت : 12 ] يُؤيِسهم ليقطعوا أطماعهم يومئذ عن تناصر بعضهم بعضا وتحمّل بعضهم مُؤَن بعض وشفاعة بعضهم لبعض على ما كانوا يفعلون في الدنيا ، كان ينصر بعضهم بعضا في الدنيا إذا أصابهم شيء ، ويفدي بعضهم بعضا ، ويشفع بعضهم لبعض .

كانوا يحتالون مثل هذه الحيل في الدنيا ليدفعوا عن المتصلين بهم الضرر . فأخبر أن ليس لهم ذلك في الآخرة كقوله : { ولا يُقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم يُنصرون } [ البقرة : 123 ] وقوله : { يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئا } [ لقمان : 33 ] ومثله{[17236]} كثير ، يُؤيِسُهم من أن يكون لهم في الآخرة ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنما تُنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } هذا يخرّج على وجهين :

أحدهما : إنما ينتفع بالإنذار الذين يخشون ربهم بالغيب . فأما [ من ]{[17237]} لا يخشى ربه فإنه لا ينتفع به . ولا{[17238]} كان منذر من اتبع الذكر ومن لم يتّبع ومن خشي ربه ومن لم يخش ؟

والثاني : كأنه يقول : إنك تُنذر غير الذي اتبع الذِّكر وغير الذي خشي ربه ، فإنما يتّبع إنذارك ، ويقبله الذي خشي ربه ، واتبع ذِكره{[17239]} ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ومن تزكّى فإنما يتزكّى لنفسه } أي من عمل خيرا فإنما يعمل لنفسه ، أو من جاء بالتوحيد والأعمال الصالحة فإنما يصلح أمره ، وعمله يثاب عليه { وإلى الله المصير } قد ذكرنا في غير موضع فائدة ذكر المصير إليه في ذلك اليوم ، وإن كانوا صائرين إليه في كل وقت .


[17236]:الواو ساقطة من الأصل.
[17237]:ساقطة من الأصل وم.
[17238]:في الأصل وم: وإلا.
[17239]:من م، في الأصل: ذكر.