تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنۢبَتۡنَا عَلَيۡهِ شَجَرَةٗ مِّن يَقۡطِينٖ} (146)

اقوله تعالى : { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } : قال بعضهم : هي شجرة القَرْع ، أنبت عليه ليأكل منه ، ويستظل بها ، وقال بعضهم : كل شجرة تنبسط على وجه الأرض مما تتّسع أطرافها إذا مُدّت ، وأصلها واحد ، فهو يقطين من البطيخ والعُرجون وغيرهما ، والأشبه أن تكون شجرة القرع لأنها أسرع الأشجار نبتا وامتدادا وارتفاعا في السماء في مدة لطيفة ووقت قريب ، والوصول إلى الارتفاع بها أكلا واستظلالا بها ما لا يكون مثل ذلك في مثل تلك المدة من الأشجار ، والله أعلم .

وعلى ذلك روي أنه قيل : ( يا رسول الله إنك لتُحبّ القَرْع ، قال : أجل ، هي شجرة أخي يونس ، وهي تزيد في العقل ) [ بنحوه البخاري 2092 ] ، فهذا يدل إن ثبت أنها كانت شجرة القرع ، والله أعلم .

ثم فيه لطف من الله عز وجل حين أنبت عليه شجرة في وقت لطيف ، لا ينبث مثلها إلا بعد مدة طويلة ووقت مديد ، وأبقى عليه الضعف وقتا طويلا مما يرفع ذلك ، ويزول في وقت يسير في العُرف ليذكّره ما أنعم عليه ، ويقوم بشكره ، وهو كما ذكر في قصة صاحب موسى الحمار حين قال عز وجل : { فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك } [ البقرة : 259 ] أبقى طعامه وشرابه ، وحفظه وقتا طويلا فلم يغير ما طبعه التغيّر في وقت يسير ، وغيّر ما طبعه البقاء ، لطفا منه . فعلى ذلك أنبت على يونس شجرة في وقت لطيف مما لا ينبت مثلها إلا وقت طويل ، وأبقى ذلك الضعف الذي كان به والسقم مما سبيله الزوال والارتفاع في وقت يسير لطفا منه لتذكير ما ذكرنا ، والله أعلم .