تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَابٗا شَدِيدٗا وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (27)

الآية 27 وقوله تعالى : { فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي لنُذيقنّ الذين كفروا ، وداموا على الكفر حتى ماتوا على ذلك . فأما من كفر في وقت ، ثم ترك ذلك ، وأسلم فليس له ذلك .

ثم من الناس من يقول : إن قوله { فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا } أراد به في الدنيا وقوله { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي لهم محاسن في الدنيا . لكن تلك المحاسن تبطُل ، ولا يُجزَون بها شيئا ، وإنما يُجزَون على المساوئ التي عملوها في الدنيا ، لأن المحاسن إنما تثبت ، وتبقى ، ويُستوجب بها الجزاء إذا أتوا بالإيمان والتوحيد ، فإذا لم يأتوا به لم ينتفعوا بتلك المحاسن ، ولم يُجزَوا بها .

وقد ذكر للمؤمنين مقابل ذلك أنه{[18488]} يكفّر عنهم سيئاتهم ، ويجزيهم{[18489]} بأحسن ما كانوا يعملون ، وهو قوله { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ } [ الأحقاف : 16 ] وقوله { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الزمر : 35 ] .

وعد المؤمنين تكفير المساوئ التي عملوا في الدنيا والجزاء لهم بالمحاسن التي عملوها ، وأوعد{[18490]} الكافرين إسقاط محاسنهم والجزاء على مساوئهم لما لم يأتوا بالإيمان ، والله أعلم .


[18488]:في الأصل وم: أن.
[18489]:في الأصل وم: يجزوا.
[18490]:في الأصل وم: ووعد.