تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ} (22)

الآية 22 وقوله تعالى : { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ } اختُلف فيه :

وقال بعضهم : أي ما كنتم تعلمون ، وتستيقنون { أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ } الظن ههنا على هذا التأويل حقيقة الظن أو الجهل ، أي ولكن جهلتم { أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ } .

فلو كان تأويل الآية ما ذكر هؤلاء ففيه دلالة أن العذاب قد يلزم ، ويجب ، وإن جهل [ المرء ]{[18475]} ذلك ، ولم يتحقق عنده العلم به بحيث إمكان الوصول إلى علم ذلك ومعرفته بالنظر والتأمل والتفكر بغير ذلك من الأسباب . لكنه ترك التأمل فيه ، فلم يعلم ذلك ، فلم يُعذر بجهله ، وهكذا الحكم أن من مكّن له العلم وأسباب المعرفة ، فلم يتكلّف معرفته ، لم يُعذر في جهله .

ولهذا قال أبو حنيفة في الأطفال : أن لا علم لي لهم لما لا يُعلَم أنهم قد بلغوا المبلغ الذي يدركون الأشياء بالتأمّل والتفكّر أم لا .

وقال بعضهم : { وما كنتم تستترون } أي كنتم لا تقدرون{[18476]} أن تستتروا من سمعكم و لا أبصاركم ولا جلودكم ، فأحد لا يستطيع أن يستتر من نفسه إذا عمل شيئا ، فذلك ظنكم الذي { ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون } في السر .


[18475]:ساقطة من الأصل وم.
[18476]:في الأصل وم: تقتدرون.