تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

الآية 23 وقوله تعالى : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } أي وذلكم جهلكم على ما ظننتم{[18477]} بأن الله تعالى لا يعلم ذلك ، وهو لا يخفى عليه خافية . فظنّكم ذلك أرداكم ، أي أغواكم ، وأضلّكم عن الهدى .

وقال قتادة : يا ابن آدم إن عليك لشهودا غير مُبهمَة من يديك ، فراقبهم ، اتق الله في سرّ أمرك وعلانيتك فإنه لا تخفى عليه خافية : الظلمة عنده ضوء والسّر عنده علانية ، ومن استطاع أن يموت ، وهو بالله حسن الظن ، فليفعل ، ولا قوة إلا بالله . ثم قال : الظّن ظنّان : ظنٌّ مُنَجٍّ ، وظنّ مُرْدٍ ؛ فأما المُنجّي فقوله : { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون } [ البقرة : 46 ] وما قال : { إني ظننت أني ملاقٍ حسابية } [ الحاقة : 20 ] .

وأما الظن المُردي فقوله : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ فصلت : 23 ] وقوله : { إن نظن إلا ظنا } [ الجاثية : 32 ] ونحوه .

وقال{[18478]} : وذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ، ويحدّث ذلك عن ربه : ( عبدي أنا عند ظنك بي وأنا معك إذا دعوتني ) [ الحاكم في المستدرك 1/497 ] .

وقال الحسن : إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم . فأما المؤمن فأحسن بربه الظن ، فأحسن العمل ، وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن ، فأساءا العمل ، ثم تلا قوله عز وجل : { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ } الآية ، وقال : الجلود كناية عن الفروج . وفي حرف حفصة : وما كنتم تخشون ، وفي حرف أبيّ وابن مسعود : ولكن زعمتم أن الله لا يعلم كذا ، وكذا في حرفهما : فذلكم زعمكم الذي زعمتم ، والزعم في كلام العرب الكذب ، وفيه يُستعمل .

وقوله تعالى : { أرداكم } قال بعضهم : أهلككم ، والرّدى الهلاك . وقيل : أُورِدوا{[18479]} المهالك . ويحتمل { أرداكم } أي أغواكم ، وأضلّكم على ما ذكرنا .


[18477]:في الأصل وم: صنعتم.
[18478]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[18479]:في الأصل وم: أورد.