الآية 32 وقوله تعالى : { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } وهو يخرّج على وجهين :
أحدهما : أي أنهم لا يملكون قسمها على تدبير ما أُنشئوا وعلى تقدير ما خُلقوا ، وهي ما ذكر من المعاش وأسباب الرزق من التوسيع والتفضيل . فالذي لم يُجعل إليهم في ذلك شيء من تدبيره وتقديره أحق وأولى ألا يملكوا قسمة ذلك بينهم واختياره ، وهو النبوّة والرسالة ووضعها حيث شاء ، وهذا أحد التأويلين .
[ والثاني ]{[18924]} : قوله تعالى : { { نحن قسمنا بينهم معيشتهم } دلالة في خلق أفعال الخلق ، لأن التضييق{[18925]} والتوسيع في الرزق والمعيشة إنما يكون باكتساب يكون منهم وأسباب جُعلت لهم .
ثم [ في إخباره ]{[18926]} أنه هو يقسم ذلك دليل{[18927]} على أنه هو مُنشئ أكسابهم وخالق أفعالهم وأن له في ذلك تدبيرا ، لأنا نرى من هو أعلم وأقدر على أسباب الرزق كانت الدنيا عليه أضيق ، ومن دونه في تلك الأسباب والاكتساب كانت عليه أوسع .
دلّ [ ذلك ]{[18928]} على أنه [ لو كانت ]{[18929]} على تدبيرهم خاصة لكانت تكون هي أوسع على من هو أجمع لأسبابها واكتسابها بها وأقدر على ذلك ، وتكون [ أضيق ]{[18930]} على من ليست له تلك الأسباب .
ثم قال جعفر بن حرب للخروج عن هذا الالتزام : إنما{[18931]} وسّع على من وسّع لأن التوسيع له أصلح وأخير ، وضيّق على من ضيّق لأن التضييق له أصلح وأخير في الدين .
فيقال : لو كان التوسيع والتضييق لأجل الأصلح لهم في الدين والأخير لم يكن ما ذكر من رفع بعض على بعض وتفضيل بعض على بعض في الرزق معنى ، وقد أخبر أنه رفع بعضهم على بعض درجات . ولو كان الكل في ذلك سواء لا يكون لبعض على بعض في ذلك فضل ولا درجة ، ولأنه لو كانوا على ما يقولون هم : إنه يعطي كلا ما هو الأصلح في الدين وأخير لهم في ذلك ، فهؤلاء الفراعنة منهم والرؤساء لو لم يكن لهم تلك السعة وتلك الأموال لكان لا يتهيأ لهم فعل ما فعلوا ومنع الناس عن اتباع رسل الله عليهم السلام .
وعلى ذلك فرعون إنما ادّعى لنفسه الألوهية بما أُعطي له من المُلك والسعة ما لو لم يكن له ذلك لم يدّع ذلك ، وكان ذلك أصلح [ له ]{[18932]} في الدين . فدلّ أن الله تعالى قد يترك ما هو الأصلح لهم في الدين ، وأن ليس عليه حفظ الأصلح لهم في الدين .
وقوله تعالى : { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضا سُخريا } قال بعضهم : سخريا : بكسر السين{[18933]} الاستهزاء . وتأويله : أنه عليم منهم أن بعضهم يستهزئ ببعض ، ويهزأ بعضهم [ من بعض ]{[18934]} أعطى ذلك لهم ليكون منهم ما علم منهم من الهُزء والسخرية ، لا أن يكون يرفع بعضهم على بعض ليأمر بما علم أنه يكون منهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ورحمة ربك خير مما يجمعون } يحتمل قوله : { ورحمة ربك } أي النبوة أي ما اختار لرسول{[18935]} الله صلى الله عليه وسلم من الرسالة والنبوة خير مما يجمع أولئك الكفرة .
ويحتمل ما يدعوهم محمد صلى الله عليه وسلم ويختار لهم من التوحيد والدين { خير مما يجمعون } هم من الأموال .
ويحتمل ما وعد لأهل الإيمان من الثواب والكرامة بإيمانهم ، وهو /497-ب/ الجنة { خير مما يجمعون } والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.