تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

الآية 10 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } المعنى عندنا ، والله أعلم : إذا جاءكم المؤمنات يعني قائلات : إنهن مؤمنات فامتحنوهن لأنه لو [ ما ] {[21058]}كان على حقيقة الإيمان لم يكن لقوله : { فامتحنوهن } معنى . فلما أمر بالامتحان ثبت أن تأويل قوله : { إذا جاءكم المؤمنات } ما وصفنا بديئا . ومثل هذا ما قال : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ النحل : 106 ] وكان المعنى منه : من تكلم بالكفر { وقلبه مطمئن بالإيمان } فكذلك يجوز أن يكون المعنى من الأول ما سبق ذكره ، والله اعلم .

ثم إن المفسرين ذكروا وصف امتحانهن : يحلفن بالله ما أخرجهن من دارهن بغض أزواجهن ، أو يحلفن أنهن ما أردن /564-ب /بخروجهن أرضا سوى أرضهن ، وإنما أردن بذلك الإسلام ، وهذا تأويل فاسد ، وذلك أنها إذا أسلمت كان الحق عليها في دينها أن تبغض زوجها الكافر كقوله تعالى { وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } [ الممتحنة : 4 ] .

فكيف يجوز أن تكون صفة امتحانهن ما ذكروا ، وحكم الشريعة والدين يوجب ما كن يفعلنه ؟ فكذلك قلنا : إن هذا التأويل الذي ذكره بعض المفسرين في وصف الامتحان غير مستقيم .

ويحوز أن يكون تأويل امتحانهن على وجهين :

أحدهما : أن يستوصفن عن الإيمان ما هو ؟ فإذا أخبرن عن حقيقة الإيمان علم أنهن مؤمنات .

والثاني : [ أن ] {[21059]}يعرض عليهن ما على المؤمنات في إيمانهن كما قال تعالى : { أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف }[ الممتحنة : 12 ] فإذا قبلن ذلك كله [ كان ] {[21060]}ذلك امتحانهن ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { الله أعلم بإيمانهن } هذا يدل على أن الذي كلف به المؤمنون من امتحانهن في الظاهر ، وأن الحقيقة إنما يعلمها رب العالمين .

وهذا يبين أن العلم علمان : علم العمل ، وعلم الشهادة .

فعلم العمل ما يعلمه الخلق في الظاهر ، فيعلمون{[21061]} به . وعلم الشهادة ما يجوز أن يشهد على الله به ، وذلك إنما يوصل إليه ، وذلك بما يطلعهم عليه نصا : إما بكتاب أو بسنة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وعلم العمل هو الذي ينساغ فيه الاجتهاد نحو خبر الآحاد وجهة القياس وغير ذلك .

وقوله تعالى : { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن على الكفار } ذكر في القصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح الحديبية مشركي أهل مكة على أن من أتاه من أهل مكة فهو عليه {[21062]} رده ، ومن أتى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو لهم ، وغير ذلك . وكتب بذلك كتابا ، وهو بالحديبية .

فلما فرغ من الكتاب إذ أتت سبيعة [ بنت الحارث الأسلمية ]{[21063]} مسلمة ، فجاء زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رد علي امرأتي ، فإنك قد شرطت لنا ذلك ، وهذه طينة كتابك ، ولم تجف بعد ، فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } يقول : لا تردوهن إلى أزواجهن { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } يقول : لا يحل نكاح مؤمنة لكافر ولا نكاح كافر لمؤمنة .

وقوله تعالى : { وآتوهم ما أنفقوا } يقول : أعطوا زوجها الكافر ما أنفق عليها على ما كان جرى من الصلح بينهم وبين المسلمين أن [ من خرجن ] {[21064]}من نساء أهل مكة إلى المدينة مؤمنات {[21065]} لا ترجعوهن إلى الكفار ، وأعطوا أزواجهن {[21066]} ما أنفقوا .

ثم معلوم أنه كان يؤخذ بإعطاء الصداق وإيتاء ما أنفق غير الذي أخذ الصداق . ولكن كان يؤخذ به من كان من جنسه على ما ذكرنا نظائره في ما تقدم .

ولذلك قال أصحابنا : إن أهل الإسلام يأخذون من تجار أهل الحرب مجازاة لما يأخذه أهل الحرب من تجار المسلمين ، وإنما يؤخذ ذلك ممن كان من جنسه ، وإن كان ذلك غير الذي أخذ منه .

وعلى ذلك يقول : إن المحنة قد يجوز أن تستوي على البر والفاجر ، وأن ما ينزل بالآدميّ من المحن يجوز ألا يكون حقا لما تعاطى من الذنوب والسيئات ، لأن لله تعالى أن يمتحن عبده في هذه الدنيا مبتدأ . وأما في الآخرة فلا يؤاخذ فيها أحد بذنب آخر ، بل يجزى كل بعمله : إن شرا فشر ، وإن خيرا فخير{[21067]} والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } يقول : لا إثم عليكم ، يعني المسلمين أن تتزوجوهن إذا آتيتموهن مهورهن .

وقوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } عن ابن عباس رضي الله عنه أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت قبل زوجها ، ثم أسلم بعد ذلك زوجها ، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول قبل أن ينزل [ قوله : ] {[21068]}{ ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فلما نزل {[21069]}كان إذا أسلم الزوج ، وخرج إلى دار الإسلام ، انقطعت العصمة بينه وبين امرأته . وكذلك المرأة إذا خرجت وبقي الزوج .

ثم قوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } قال بعضهم : أي بعقد الكوافر ، فمن كانت له امرأة بمكة كافرة فلا يعيدن المرأة الكافرة ، فإنها ليست بامرأة له ، وقد انقطعت العصمة بينهما .

وقال بعضهم : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } حظر علينا الامتناع والكف والإمساك عن نكاح المهاجرة لأجل زوجها الحربي وعصمته ، والعصمة المنع ، والكوافر يجوز أن يتناول الرجال ، وظاهره في هذا الموضع للرجال لأنه في ذكر المهاجرات ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } يقول : إذا لحقت امرأة المسلم بكفار مكة فاسألوا مهرها من أهل مكة ، وردوه {[21070]} إلى زوجها { وليسألوا ما أنفقوا } يقول : إن جاءت امرأة من أهل مكة مهاجرة إليكم فردوا على زوجها المشرك ما أعطاها من المهر ، وذلك من أجل العهد الذي كان بين أهل مكة مهاجرة إليكم فردوا على زوجها المشرك ما أعطاها من المهر ، وذلك من أجل العهد الذي كان بين أهل مكة وبين النبي صلى الله عليه وسلم .

وقوله تعالى { ذلكم حكم الله يحكم بينكم } يقول : هذا هو حكم الله يحكم بينكم يقول : هذا هو حكم الله بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة من أن يرد بعضهم على بعض النفقة ، أي المهر .

وقوله تعالى : { والله عليم حكيم } أي في ما حكم بين المسلمين وأهل العهد ما ذكرنا من الحكم .


[21058]:ساقطة من الأصل و م.
[21059]:ساقطة من الأصل و م.
[21060]:ساقطة من الأصل و م.
[21061]:في الأصل و م: فيعلمون.
[21062]:في الأصل و م: عليهم
[21063]:ساقطة من الأصل و م.
[21064]:في الأصل و م: خرج
[21065]:في الأصل و م: لم
[21066]:في الأصل و م: أزواجهم.
[21067]:من م، في الأصل: فخيرا.
[21068]:ساقطة من الأصل و م.
[21069]:في الأصل و م: نزلت.
[21070]:الهاء ساقطة من الأصل وم