الآية 17 وقوله تعالى : { إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم } يتولد من هذه الآيات ظنون فاسدة .
أحدها : ظن اليهود حين{[21410]} { قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } [ آل عمران : 181 ] وذلك أنهم لما سمعوا أن الله تعالى يقول : { وأقرضوا الله قرضا حسنا } [ المزمل : 20 ] والاستقراض في الشاهد يدل على الحاجة إلى ما يستقرض ، وكذلك قوله تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } [ التوبة : 11 ] والشراء يدل على حاجة في المشترى .
[ والثاني : حين ]{[21411]} استعمل عبيده في الأعمال ثم قال : { فلكم أجر عظيم } [ آل عمران : 179 ] ورأوا أن من يستعمل آخر ، فإنما يستعمله في عمل ، ترجع منفعته عليه ، ويحتاج إلى عمله ، ظنوا بذلك أن الله فقير ، وأنه محتاج .
[ والثالث : ]{[21412]} ظنت المعتزلة إن أنفس العبيد وأملاكهم ملك لهم حقيقة ، ليس لله في شيء من ذلك ملك ولا تدبير ، قالوا : وذلك أن الله تعالى استقرض من عبيده ، والمرء في الشاهد لا يستقرض [ من ]{[21413]} ملك نفسه فلما استقرض ، واستباع ، ظن أن هذه الأملاك{[21414]} ، كانت ملكا لهم حقيقة .
والذي يدل على أن قول المعتزلة على ما وصفنا أن قولهم : أن ليس لله تعالى أن يمرض أحدا ، ولا يؤلم دابة ، إلا بعوض ، ولم يملك شيئا إلا بعوض وبدل ، يبين{[21415]} أنه لا يملكه ، فثبت على أن عندهم أنه لا يملك حقيقة ، وأن حقيقة الملك فيه للعبيد .
ويشبه أن يكون ظن اليهود والمعتزلة جميعا إنما تولد من قولهم : أن ليس لله تعالى أن يفعل بعبيده إلا ما هو أصلح لهم في دينهم ، فذهبت اليهود إلى أن هذا لما كان حقا على الله تعالى أن يفعله ، لا محالة ، حتى إذا لم يفعله ، يكون جائرا{[21416]} . ومن كان مأجورا بحق أو بشيء يفعله ، ففيه بيان أن حقيقة ذلك الفعل لغيره حتى أخذ به ، لا محالة .
لذلك قلنا : إن ظنونهم تولدت عن القول بالأصلح ، والله المستعان .
وأما الحكماء وأهل العقل ومن انتفع بعقله حمل هذه الآيات من الله تعالى على نهاية الكرم وغاية الغنى ، لأن الله تعالى أعطى عبده ثم استقرض منه ذلك الذي أعطاه ليصير ذلك العطاء ببدله الدائم ، وهو النعيم في الآخرة .
ومعلوم أن من أراد دوام إعطاء من أعطاه فهو في غاية الكرم ، وكذا اشترى منه حياة فانية ليعطي له حياة دائمة ، وهذا من غاية الجود .
ومن استعمل عبيده في عمل ، يوصف بأنه جواد سخيّ ، ويشرف به ، ويكرم ، ثم وعد له على [ ما ]{[21417]} فيه أجرا دائما ، دل على غناه ، فثبت أنه أراد بهذه الآيات أن يعلمنا غاية كرمه وغاية جوده ونهاية غناه ، وأن جوده وكرمه مما لا تدركه عقولنا ، والله المستعان .
والذي يدل على غاية كرمه وغاية جوده أن جعل ما نتصدق به على فقرائنا وما نصل به أرحامنا قرضا على نفسه ، ووعد الأجر بعمل يعمله العبد لنفسه ، وعلى عمل ، على العبد فعله ، لا محالة . ولا شك أن ذلك من غاية الجود والكرم ، والله المستعان .
وقوله تعالى : { إن تقرضوا الله قرضا حسنا } قال بعضهم : القرض : هو القطع ؛ كأنه قال : اقطعوا شيئا من أموالكم لله قطعا حسنا . وقال بعضهم : أقرضوا الله ؛ أي اجعلوا ما تتصدقون به مما فضل عن حاجاتكم على فقرائكم قرضا حسنا على الله تعالى يؤتكم أجره عند حاجتكم إليه .
وقوله تعالى : { يضاعفه لكم } يعني يضاعف{[21418]} ما يعطيكم في الآخرة من الثواب الذي تكرمون به بما شرفتم به وتزينتم في الدنيا بالتصدق .
وقوله تعالى : { والله شكور حليم } يعني { شكور } حين{[21419]} شكر لكم على ما أعطيتموه شيئا ، هو أعطاكم [ إياه ]{[21420]} وقوله : { حليم } وصف نفسه بالحلم .
وعلى قول المعتزلة : لا يتحقق هذا الوصف لأنهم يقولون : إنه إذا أوجبت العقوبة فليس لله تعالى أن يؤخرها تفضلا منه ، وإنه في ما أخرها كان ذلك حقا عليه حين{[21421]} رأى الأصلح في تأخيرها .
ومعلوم أن [ من ]{[21422]} أدى حقا عليه لم يوصف بالحلم ، ولكنه يقال : إنه يتقي الجور ، والحليم من يحلم عن عقوبة لزمت ، فيؤخرها ، ويتركها ، ويعفو عن صاحبها ، فيوصف بالحلم في هذا الموضع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.