تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

الآية 14 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } يحتمل أن يكون على تحقيق العداوة [ ويحتمل أن يكون على فعل العداوة . فإن كان على تحقيق العداوة ]{[21382]} فهو يحتمل وجهين :

أحدهما : عداوة ظاهرة ، وهي عداوة الكفر والشرك ؛ وذلك أنه كان في ذلك الزمان يسلم الرجل ، ويبقى ولده وزوجته على الكفر ، فعلمهم الله تعالى صحبة الأولاد والزوجات أنهم{[21383]} إذا دعوكم إلى الكفر والشرك فاحذروهم أن تطيعوهم { وإن تعفوا } عن عقوبتهم على ما دعوكم إليه { وتغفروا فإن الله غفور رحيم } .

ثم ذكر الله عز وجل في صحبة الأولاد والزوجات ، إذا كانوا كفارا ، العفو والصفح ، ولم يذكر ذلك في الوالدين / 573- ب / المشركين ، ولكنه أمره أن يصاحبهما { في الدنيا معروفا } [ لقمان : 15 ] .

فوجه ذلك عندنا ، والله أعلم ، أنه يجري سلطانه وغلبته وقهره على زوجته وولده .

فأمره ههنا بالعفو والصفح ، وأما في الوالدين فليس يجري له عليهما السلطان والقهر والغلبة ، فلا معنى للأمر بالعفو عنهما ، لكنه أمر أن يصاحبهما { في الدنيا معروفا } وألا يطيعهما في ما أمراه من المنكر ، والله أعلم .

[ والثاني : ]{[21384]} يحتمل أن تكون هذه العداوة عداوة مستورة ، وهي عداوة النفاق ، فكأنه قال : { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } وأنتم لا تشعرون { وإن تعفوا } عن جنايتهم ، ولم تؤذوهم عليها { وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم }

ألا ترى إلى ما حذر الله المؤمنين من أهل النفاق مع أنهم من الضعف والفشل كما أخبر عز وجل عنهم بقوله : { يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم } ؟ [ المنافقون : 4 ] فكذلك الأزواج والأولاد ، وإن كانوا تحت قهره وغلبته ، أمره بالحذر منهم ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون على فعل العداوة ، ليس أنهم أعداء في الحقيقة ؛ وذلك أنهم في المتعارف والمعتاد يدعون الآباء إلى البخل والمنع عن الإنفاق على غيرهم ، ويشتد عليهم صنع أبيهم من الإحسان والبر في حق الناس ، ويكرهون ذلك [ وهذا ]{[21385]} في الظاهر فعل العداوة{[21386]} ، فيجوز أن يكون الله تعالى علم صحبة هؤلاء أن { من أزواجكم وأولادكم } من يظهر فعل العداوة { فاحذروهم } أن يمتنعوا عن وجوه الإحسان والتبرع بقولهم { وإن تعفوا } عن صنيعهم بكم { وتغفروا فإن الله غفور رحيم } .


[21382]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم
[21383]:في الأصل وم: أنه
[21384]:في الأصل وم: و
[21385]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم
[21386]:في الأصل وم: العدو