الآية 11 وقوله تعالى : { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } قال بعضهم : { بإذن الله } يعني بأمر الله ، وهو قول الحسن وقال بعضهم : { بإذن الله } يعني بعلم الله وقال بعضهم : { بإذن الله } يعني بمشيئة الله ، ولكل من ذلك وجه .
فأما من قال : بأمر الله ، فمعناه وحجته أن هذه المصائب كلها عقوبات . ألا ترى إلى قوله : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } ؟ [ الشورى : 30 ] .
ومعلوم أن جزاء ما كسبت يده عقوبة له ؛ والتعذيب والعقوبة إنما يكون بأمر الله ، فلذلك قال : معنى قوله : { بإذن الله } أي بأمر الله .
ولكن عندنا هذا يرجع إلى ما يصيبهم من أيدي الخلق كقوله تعالى : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم } [ التوبة : 52 ] ونحو ذلك ، وهذه المصائب لا تحتمل الأمر من الله تعالى .
ومن قال : بعلم الله فوجه ذلك أن هذه المصائب فيها إهلاك العبيد ، وفي الشاهد أنه لا يحب أحد أن يعلم بما فيه هلاك عبيده وخدمه ، فأخبر عز وجل أن هذه المصائب ، وإن كان فيها{[21367]} هلاك عبيده ، فإنما يكون ذلك بعلمه ، وأن هلاكهم ، لا يضره ، ولا ينقص ملكه ، لأن الله سبحانه وتعالى أنشأ ما أنشأ من الخلائق لحاجة لهم ولمنفعة ترجع إليهم ومضرة تلحقهم . فحلول ما يحل بهم من المصائب لا يضره ، ولا ينفعه ، لذلك كان ما ذكر .
ومن قال : بمشيئة الله وإرادته فوجه ذلك أن الله تعالى وعد ، وأوعد ، ولا محالة ، يريد من عبيده ما يكون بوعيده عادلا ، وأن يضع وعده موضعه ، وإذا كان كذلك ثبت أنه يريد من كل أحد ما يعلم أنه يكون منه ، لأنه إذا خلق النار ، وأوعد عليها ، فلو أراد من كل منهم الطاعة لكان إذا أحرق بالنار أحرق من أراد منه الطاعة ، فدخل في حد الجور ، ولو كان يريد من كل منهم المعصية لكان إذا أنجز وعده ، وأدخله الجنة ، كان يضع ثوابه في غير موضعه ، ويخرج عن حد الحكمة ، وإذا كان كذلك ثبت أنه أراد من كل ما علم أنه يختاره ، ويكون منه ، ليخرج فعله عن الحكمة ، والله الموفق .
ونحن نقوله : قد ذكر الله تعالى الإذن في مواضع مختلفة ، ولكل من ذلك وجه غير وجه صاحبه ، فالواجب أن يصرف في كل موضع إلى ما يليق به ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } [ يحتمل وجوها :
أحدها : ما ]{[21368]} قال أبو بكر : أي من آمن بما شاهد من التدبير يهده الله تعالى ليعلم أن من دبر هذا التدبير هو الذي ابتلاه بهذه المصيبة .
[ والثاني ]{[21369]} : يجوز أن يكون تأويله على وجه آخر ، وهو أن يقول : من يؤمن بالله أن له الخلق والأمر يهد قلبه ليسكن ، ويعلم أن الله أولى به ، فيسترجع عند ذلك . وذلك تأويل من قرأ : يهدأ قلبه{[21370]} ، أي يسكن ، من الهدء ، وهو السكون ، والله أعلم .
والثالث{[21371]} : يحتمل أن يكون من{[21372]} الهداية ، وإن خرجت على لفظ الإحداث [ فليس على الإحداث ]{[21373]} ولكن معناه : أن إيمانه [ بالله تعالى إنما كان بهداية منه ، لأنه لا يجوز أن يكون الإيمان ]{[21374]} متقدما والهداية متأخرة . ولكن حين هداه آمن بما هداه ، وهذا على ما قال الله تعالى : { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } [ البقرة : 257 ] فهذا خرج في الظاهر على لفظ [ الهداية ]{[21375]} ولكنه في الحقيقة ليس عليه ، ولكن على معنى أنهم لما آمنوا أخرجهم بالإيمان من الظلمات إلى النور بعد الإيمان ، فكذلك الأول ، والله أعلم .
[ والرابع ]{[21376]} يجوز أن يكون تأويله أن الله تعالى يهدي قلبه ، أي يتوب عليه من الزلات عند الموت على ما قال تعالى : { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات }[ الأحزاب : 73 ] .
وقيل : فيه لغات أربعة : بنصب الياء والباء جميعا : { يهد قلبه } ويهد قلبه : برفع الياء والباء ، ونهد قلبه ، أي يهتد ، ويهدأ قلبه من السكون .
وقوله تعالى : { والله بكل شيء عليم } الأصل في الأسماء المشتركة إذا أضيف شيء منها إلى الله تعالى فحق التخصيص في الإضافة إليه أن يضاف بحق الكليات ليكون فرقا بينه وبين العباد ، فيقال : { والله بكل شيء عليم } ويقال في الخلق : فلان عليم بكذا على الخصوص ، وليعلم أن العبيد إنما يعلمون بعلمه . وكذلك{[21377]} في قوله : { وهو على كل شيء قدير } [ التغابن : 1 ]
وهذا على المعتزلة لأنهم يقولون : إن الله عز وجل ليس بقدير على كثير من الأشياء ، فكأنهم أشركوا في اسم القدرة غيره لأنه لا أحد من الخلق إلا وله جزء من القدرة .
فلو قلنا . إن الله تعالى يقدر على بعض ، ولا يقدر على بعض ، لسوينا بينه وبين خلقه ، وشبهناه بهم ، وجل الله سبحانه وتعالى عن مثل هذا الوصف والله المستعان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.