الآية 1 قوله تعالى : { تبارك الذي بيده الملك } قيل : تعالى ، وتعاظم ، وتبارك : تفاعل ، من البركة كناية عن نفي كل عيب . قال عز وجل { ونزّلنا من السماء ماء مباركا } [ ق : 9 ] أي ماء ، لا كدورة فيه ، ولا قذر ، بل هو ماء مطهر من كل آفة وغيرة .
فمعنى قوله : { تبارك } أي تعالى عن أن يكون له شبيه وعديل ، وتعاظم عما قالت فيه الملحدة وعن أن تلحقه المعايب والآفات .
وقوله تعالى : { الذي بيده الملك } أي الذي له ملك الملك ، لأنه قال في موضع آخر : { قل اللهم مالك الملك } [ آل عمران : 26 ] أي الذي له الملك . فذكر اليد ههنا مكان المالك هناك ، فامتدح جل وعلا بملك الملك وكونه مالكا له .
والمعتزلة يقولون : إن ملك ملك الكفرة ليس له ، وإنه لا يؤتى الملك للكافر ، ويقولون في قوله : { ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك } [ البقرة : 258 ] إن الذي آتاه الله الملك ، هو إبراهيم عليه السلام والهاء تنصرف إليه ، لا إلى الذي حاجّه .
وإذا لم يجعلوا ملك ملك الكفرة في يده لم يصر ممتدحا بما ذكرنا لأنه يكون في يده بعض الملك لا كله . وقال في آية أخرى : { تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء } [ آل عمران : 26 ] وعلى قولهم يصير الملك في يد من لا يشاء لأنه لا يشاء الملك للكافر ، ومع ذلك يوجد فيهم الملك .
ثم ما ينبغي لهم أن يقطعوا القول بأن الله تعالى لا يؤتي الملك للكافر ، بل عليهم [ أن يقولوا : ]{[21641]} إن كان إيتاء الملك أصلح لهم آتاهم ، وإن كان شرا لم يؤتهم ؛ إذ من مذهبهم أن [ الله تعالى ]{[21642]} لا يفعل بعبده إلا ما هو الأصلح له في الدين والدنيا في حقه .
فهذا جملة اعتقادهم ، ثم هم لا يعرفون الوجه الذي له صار أصلح في كل شيء على الإشارة إليه ، لأنهم يقولون : في إبقاء إبليس اللعين إلى اليوم المعلوم صلاح ، وإن كنا لا نعرف الوجه الذي له صار أصلح ؛ وإفناء الأنبياء والرسل عليه السلام كان أصلح ، وإن لم نعرف من أي وجه صار أصلح .
فليقولوا ههنا : إن إيتاء الملك ، إن كان أصلح لهم لم يكن له ألا يؤتيهم ، وإن كان شرا فعليه ألا يؤتيهم ، لا أن يجعلوا الأمر على النفي .
ثم الملك اسم عام ، وهو عبارة عن نفاذ التدبير والسلطان والولاية . والملك هو أن يكون للمالك خاصة في الشيء ، لا يتناول من ذلك الشيء إلا بإذنه . وقد يكون المرء مالكا ، وليس بملك ، وقد يكون المرء ملكا ، وليس بمالك . فكل واحد من الوجهين يقتضي معنى غير ما يقتضيه الآخر .
وجائز أن يكون تأويل قوله : { بيده الملك } أي ملك كل ملك من أهل الأرض بيده ، لأنه إن شاء أبقى له الملك ، وإن شاء نزعه . فما من ملك في دار الدنيا إلا وملكه في الحقيقة لله تعالى
وقوله تعالى : { وهو على كل شيء قدير } امتدح{[21643]} نفسه ، تعالى ، بأنه على ما يشاء قدير وذلك من أوصاف ربوبيته أيضا .
ومن قول المعتزلة أنه على أكثر الأشياء غير قدير ، لأنهم يجعلون المعدوم شيئا ، فشيئية الأشياء [ كانت بأنفسها ]{[21644]} لا بإنشاء الله تعالى ، ويجعلون ظهورها بالله تعالى فقط .
وإذا كان كذلك فهو لم يصر قادرا على شيئية الأشياء . وكذلك ينفون الخلق والقدرة على أفعال العباد .
ومن قولهم أيضا أن أقدار / 582- أ / العبد بيد الله تعالى ، وإذا أقدر عبدا من عبيده على الهداية خرجت القدرة [ من يده ، فتصير هذه القدرة ]{[21645]} مستفادة لا ذاتيه . وإذا كان كذلك فقد نفوا عنه القدرة عن أكثر الأشياء ، فلا يصير هو قادرا على شيء ، وإنما هو قادر على البعض { سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا } [ الإسراء : 43 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.