الآية 12 وقوله تعالى : { ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها } فأخبر عنها بإحصانها فرجها ، وذلك بالأسباب ، وهي ما اتخذت بين نفسها وبين الناس جميعا حجابا لئلا يقع بصر الناس عليها ، ولا يقع بصرها عليهم ، فتصل به إلى تحصين فرجها .
قال الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } [ النور : 30 ] وهم إذا غضوا أبصارهم وصلوا إلى حفظ الفروج ؛ ففي الحجاب غض البصر { وفي غض البصر ]{[21623]} وصول إلى حفظ الفرج وإحصانه ، وقال في آية أخرى : { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } { آل عمران : 42 ] .
وتطهيره إياها في أنه طهرها من الفواحش والزنى . فأضاف الإحصان إليها في الآية الأولى ، وأضاف التطهير ههنا إلى نفسه ؛ فوجه إضافة الإحصان إليها ما ذكرنا أنها تكلفت الأسباب التي هي أسباب الموانع للزنى الدواعي إلى الإحصان ، وأضاف إلى نفسه التطهير لأن وقوع ذلك وحصوله{[21624]} كان به ؛ ففيه دلالة أن كل فعل من أفعال العباد لا يخلو من أن يكون الله تعالى فيه صنع وتدبير .
{ وقوله تعالى ]{[21625]} : { فنفخنا فيه من روحنا } أي خلقنا فيه ما به تحيى الصور والأبدان . وقوله : { فيه } أي في { فرجها ، كقوله ]{[21626]} في آية أخرى : { فنفخنا فيها من روحنا } { الأنبياء : 91 ] أي في نفسها{[21627]} عيسى عليه السلام والنفس مؤنث .
ثم تشبيهه { الخلق ]{[21628]} بالنفخ لأن الروح إذا خلق { في الجسد انتشر فيه ]{[21629]} كالريح إذا نفخت في شيء انتشرت فيه{[21630]} ، أو { تشبيهه الخلق ]{[21631]} بالنفخ لسرعة دخوله { في ما ]{[21632]} نفخ فيه كالريح ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وصدقت بكلمات ربها } جائز{[21633]} أن تكون الكلمات التي بشرت بها مريم هي{[21634]} قوله تعالى : { يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح } { آل عمران : 45 ] وقوله تعالى : { يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } { آل عمران : 43 ] وقوله تعالى : { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } { آل عمران : 42 ] وقوله تعالى : { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } [ مريم : 25 ] فصدقت بجملتها { وأنها ]{[21635]} من عند الله ، لا شيء ، ألقى إليها الشيطان .
أو { وصدقت بكلمات ربها } أي بحجج ربها وبراهينه { كقوله تعالى ]{[21636]} : { ويحق الله الحق بكلماته } [ يونس : 82 ] أي بحججه وأدلته .
ثم تكون الحجج حجج البعث أو حجج الرسالة أو الوحدانية ، أي يكون قوله : { وصدقت بكلمات ربها } أي بالكلمات التي يستعاذ بها من الشرور ؛ فصدقت أنها تعيذ من تعوذ بها ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وكتبه } وقرئ وكتابه{[21637]} ؛ وفي تصديقها بالكتاب تصديق منها بالكتب لأن من آمن بكتاب من كتب الله فقد آمن بسائر كتبه لأنها يوافق بعضها بعضا ، ومن آمن بكتبه فقد آمن بكل كتاب له على الإشارة إليه ، فثبت أن في الإيمان بكتاب إيمانا{[21638]} بسائر الكتب فكل واحدة{[21639]} من القراءتين تقتضي معنى القراءة الأخرى ؛ فإن قوله : بكتابه أي بالإنجيل ، وقوله : { وكتبه } أي بالإنجيل وسائر الكتب المتقدمة المنزلة من عند الله تعالى .
وقوله تعالى : { وكانت من القانتين } قيل : من المصلين ، لأنه قال في آية أخرى : { يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } [ آل عمران : 43 ] وإذا وصفت{[21640]} وصف الصلاة ، فالتزمت هذا الأمر ، صارت من القانتين . وقيل : أي من المطيعين لربها ، والله أعلم بالصواب ، وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.