تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

الآية 10 وقوله تعالى : { ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين } فجائز أن يكون هذا المثل لمكان الكفرة الذين لهم برسول /581 أ/الله صلى الله عليه وسلم اتصال من حرمة القرابة ، فكانوا يطمعون منه الشفاعة في الآخرة ، إن كان الأمر على ما ذكر محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم عرفوه بالشفقة والرحمة على الخلق جملة . فكيف يدع شفقته ورحمته على قرابته ، وهو يراهم يترددون في الهلاك ؟ فبين لهم شأن امرأة نوح وامرأة لوط ما كان بينهما وبين نوح ولوط عليهما السلام من الاتصال لئلا يغتروا باتصالهم بالنبي صلى الله عليه وسلم .

وجائز أن يكون هذا في بدء الإسلام في الوقت الذي ينفرد الآباء بالإسلام دون الأبناء ، والأبناء دون الآباء ، فيكون المثل لمكان هؤلاء أولئك الذين التزموا ، وداموا عليه ، ولم يتبعوا آباءهم أو أبناءهم ، فيقول : لا ينفع من دام على الكفر إسلام [ من أسلم ]{[21598]} منهم وإن كان بينهما قرب من جهة الأبوة والنبوة لأن رحمة الإنسان وشفقته على زوجته أكثر من شفقته على ما ذكرنا . وكذلك الاتصال .

فإذا لم ينفعهما إسلام زوجتيهما ، فكذلك لا ينفع أولئك الذين داموا على الكفر إسلام من أسلم من آبائهم .

وجائز أن يكون هذا المثل لمكان أهل النفاق في ما أظهروا موافقة المؤمنين ، وأسرّوا الخلاف له ، فيخبر أنه لا ينفعهم إظهار موافقتهم في الدين إذا كانوا على خلافه في التحقيق كما لا ينفع زوجتي نوح ولوط عليهما السلام إظهار الموافقة منهما لزوجيهما{[21599]} إذا كانتا على خلافهما في السر ، والله أعلم .

قال أبو بكر الأصم " في هذه الآية دلالة أن صلاح الصالح ، لا ينفع الطالح كما لا ينفع صلاح نوح ولوط عليهما السلام الزوجتين إذا كانت في نفسيهما فاسدتين . وأراد بهذا النفي الشفاعة لأهل الكبائر .

وليس كما ذكر ، لأن هذا المثل ضربه للكافر لا للعصاة ، إذ لم يقل : ضرب الله مثلا للذين عصوا ، فليس له تعلق في هذه الآية .

ثم قد نجد{[21600]} صلاح الصالح في الشاهد ينفع الطالح ، وإن لم ينفع الكافر ، لأن المرء قد يكون له زوجة طالحة ، تمتنع عن كثير من الشر لمكان زوجها من أهل الصلاح والبر . وكذلك الولد ، ينفعه صلاح والديه في الدنيا ، إذ بخشيتهما ينتهي عن كثير من المناهي بصلاحهما ، فقد نفعه صلاح والديه ، ونفعها صلاح زوجها . فجائز أن ينتفع الطالح أيضا في الآخرة بصلاح الصالحين .

وأما الكافر فهو لم يمتنع من الخلاف بمكان{[21601]} أبويه ولا بمكان أحد من الخلق ، فلم ينفعه إسلام أبويه ولا صلاحهما في الدنيا ، فكذلك لا ينفعه في الآخرة ، والله اعلم .

وقوله تعالى { فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين } أي فخانتاهما في الدين .

ومنهم من يذكر أن خيانة امرأة نوح هي {[21602]} أن أخبرت قومه بجنون زوجها ، وكانت خيانة امرأة لوط ، هي أن أخبرت قوم لوط بشأن أضيافه .

ولكن إن كان هذا صحيحا فهو يرجع إلى الأول ، لأن الذي حمل كل واحدة منهما على الإخبار بما أخبرت موافقتها أولئك القوم لزوجها في الدين ، فلا يجب أن يشهد بهذا إلا بتواتر [ إن ]{[21603]} جاء .

وذكر بعضهم أنهما زنتا ، فخيانتهما زناهما ، وذا غير ثابت ، لأن الأنبياء عليهم السلام عصموا عما يرجع العار والشين إليهم ، والزوج يعيّر بزناء زوجته وفراشه ، وفيه {[21604]} توهم التهمة في أولادهم . فدل أن هذا {[21605]}التأويل غير صحيح ، وحاجتنا إلى وجود الخيانة منهما دون التفسير ، ولا يجب أن يشهد بهذا إلا بتواتر جاء من يدي الحجة .


[21598]:من م،ساقطة من الأصل.
[21599]:في الأصل وم،لزوجته.
[21600]:من،في الأصل: يحذف.
[21601]:في الأصل وم: بما كان.
[21602]:في الأصل وم: هو
[21603]:من نسخة الحرم المكي،ساقطة من الأصل.وم
[21604]:ن م،في الأصل: وفي
[21605]:من نسخة الحرم المكي،في الأصل وم: صلاح.