جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَى" يقول تعالى ذكره : والذي قدّر خلقه فهدى .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عُني بقوله : "فَهَدَى" ؛
فقال بعضهم : هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ ، والبهائم للمراتع ...
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الله عمّ بقوله "فَهَدَى" الخبر عن هدايته خلقه ، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى ... فالخبر على عمومه ، حتى يأتي خبر تقوم به الحجة ، دالّ على خصوصه .
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالتقدير تنزيل الشيء على مقدار غيره ، فالله تعالى خلق الخلق وقدرهم على ما اقتضته الحكمة ( فهدى ) معناه أرشدهم إلى طريق الرشد من الغي ، وهدى كل حيوان إلى ما فيه منفعته ومضرته، حتى إنه تعالى هدى الطفل إلى ثدي أمه وميزه من غيره ، واعطى الفرخ حتى طلب الرزق من أبيه وأمه . ...
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
الخلق دون هداية لا يفضي إلى خير ، ولذلك قال تعالى : { قدر فهدى } . ( مقاصد الفلاسفة : 374 )...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وهدايات الله للإنسان إلى ما لا يحدّ من مصالحه وما لا يحصر من حوائجه في أغذيته وأدويته ، وفي أبواب دنياه ودينه ، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض : باب واسع ، وشوط بطين ، لا يحيط به وصف واصف ؛ فسبحان ربي الأعلى ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ والذي قدر } أي أوقع تقديره في أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها ، وغير ذلك من أحوالها ، فجعل البطش لليد والمشي للرجل والسمع للأذن والبصر للعين ونحو ذلك { فهدى } أي أوقع بسبب تقديره وعقبه الهداية لذلك الذي وقع التقدير من أجله من الشكل والجواهر والأعراض.....فترى الطفل أول ما يقع من البطن يفتح فاه للرضاعة ، وغيره من سائر الحيوانات ، يهتدي إلى ما ينفعه من سائر الانتفاعات ، فالخلق لا بد له من التسوية ليحصل الاعتدال ، والتقدير لا بد له من الهداية ليحصل الكمال . ...
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
وهنا قدر كل ما خلق ، وهدى كل مخلوق إلى ما قدره له ، ففي العالم العلوي قدَّر مقادير الأمور ، وهدَى الملائكة لتنفيذها ، وقدَّر مسير الأفلاك ، وهداها إلى ما قدر لها ، كل في فلك يسبحون . وفي الأشجار والنباتات قدر لها أزمنة معينة في إيتائها وهدايتها إلى ما قدر لها ، فالجذر ينزل إلى أسفل والنبتة تنمو إلى أعلى ، وهكذا الحيوانات في تلقيحها ونتاجها وإرضاعها ، كل قد هداه إلى ما قدر له ، وهكذا الإنسان . ...
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :
قدره في حاله ، وفي مآله ، وفي ذاته ، وفي صفاته ، كل شيء له قدر محدود ، فالآجال محدودة ، والأحوال محدودة ، والأجسام محدودة ، وكل شيء مقدر تقديراً كما قال تعالى : { وخلق كل شيء فقدره تقديراً } . وقوله : { فهدى } يشمل الهداية الشرعية ، والهداية الكونية ، الهداية الكونية : أن الله هدى كل شيء لما خلق له ، ... أما الهداية الشرعية وهي الأهم بالنسبة لبني آدم فهي أيضاً بينها الله عز وجل حتى الكفار قد هداهم الله يعني بيّن لهم ، قال الله تعالى : { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } [ فصلت : 17 ] . والهداية الشرعية هي المقصود من حياة بني آدم { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات : 56 ] ....
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وبعد ذكر موضوعي الخلق والتنظيم ، تنتقل بنا الآية التالية إلى حركة الموجودات نحو الكمال : ( والذي قدّر فهدى ) . والمراد ب ( قدّر ) ، هو : وضع البرامج ، وتقدير مقادير الأمور اللازمة للحركة باتجاه الأهداف المرسومة التي ما خلقت الموجودات إلاّ لأجلها . ... والمراد ب ( هدى )هنا ، هي : الهداية الكونية ، على شكل غرائز وسنن طبيعية حاكمة على كل موجود ولا فرق في الغرائز والدوافع سواء كانت داخلية أم خارجية ... وبنظرة ممعنة لبناء كلّ موجود ، وما يطويه في فترة عمره من خطوات في مشوار الحياة ، تظهر لنا بوضوح الحقيقة التالية : ثمّة برنامج وتخطيط دقيق يحيط بكل موجود ، وثمّة يد مقتدرة تهديه وتعينه على السير على ضوء ما رسم له، وهذه بحد ذاتها علامة جليّة لربوبية اللّه جلّ وعلا . وقد اختص الإنسان بهداية تشريعية إضافة للهداية التكوينية يتلقاها عن طريق الوحي وإرسال الأنبياء عليهم السلام ، لتكتمل أمامه معالم الطريق من كافة جوانبه . ...
" الذي قدر فهدى " قرأ علي رضي اللّه عنه والسلمي والكسائي " قدر " مخففة الدال ، وشدد الباقون . وهما بمعنى واحد . أي قدر ووفق لكل شكل شكل . " فهدى " أي أرشد . قال مجاهد : قدر الشقاوة والسعادة ، وهدى للرشد والضلالة . وعنه قال : هدى الإنسان للسعادة والشقاوة ، وهدى الأنعام لمراعيها . وقيل : قدر أقواتهم وأرزاقهم ، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنسا ، ولمراعيهم إن كانوا وحشا . وروي عن ابن عباس والسدي ومقاتل والكلبي في قوله " فهدى " قالوا : عَرّف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى ، كما قال في ( طه ) : " الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى{[15960]} " [ طه : 50 ] أي الذكر للأنثى . وقال عطاء : جعل لكل دابة ما يصلحها ، وهداها له . وقيل : خلق المنافع في الأشياء ، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها . وقيل " قدر فهدى " : قدر لكل حيوان ما يصلحه ، فهداه ، وعرفه وجه الانتفاع به . يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت ، وقد ألهمها اللّه أن مسح العين بورق الرازيانج{[15961]} الغض يرد إليها بصرها ، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام ، فتطوي تلك المسافة على طولها وعلى عماها ، حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها ، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن اللّه تعالى . وهدايات الإنسان إلى ما لا يحد من مصالحه ، ولا يحصر من حوائجه ، في أغذيته وأدويته ، وفي أبواب دنياه ودينه ، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض باب واسع ، وشوط بطين{[15962]} ، لا يحيط به وصف واصف ، فسبحان ربي الأعلى . وقال السدي : قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر ، وأقل وأكثر ، ثم هداه للخروج من الرحم . وقال الفراء : أي قدر ، فهدى وأضل ، فاكتفى بذكر أحدهما ، كقوله تعالى : " سرابيل تقيكم الحر{[15963]} " [ النحل : 81 ] . ويحتمل أن يكون بمعنى دعا إلى الإيمان ، كقوله تعالى : " وإنك لتهدي إلى صراط{[15964]} مستقيم " . [ الشورى : 52 ] . أي لتدعو ، وقد دعا الكل إلى الإيمان . وقيل : " فهدى " أي دلهم بأفعاله على توحيده ، وكونه عالما قادرا . ولا خلاف أن من شدد الدال من " قدر " أنه من التقدير ، كقوله تعالى : " وخلق كل شيء فقدره تقديرا{[15965]} " [ الفرقان : 2 ] . ومن خفف فيحتمل أن يكون من التقدير فيكونان بمعنى . ويحتمل أن يكون من القدر والملك ، أي ملك الأشياء ، وهدى من يشاء .
قلت : وسمعت بعض أشياخي يقول : الذي خلق فسوى وقدر فهدى . هو تفسير العلو الذي يليق بجلال اللّه سبحانه على جميع مخلوقاته .
ولما كان جعل الأشياء على أقدار متفاوته مع الهداية إلى ما وقع الخلق له على أوجه{[72837]} متفاضلة مع التساوي في العناصر مما يلي التسوية ، وهو من خواص الملك الذي لا يكون إلا مع الكمال ، أتبعه به بالواو دلالة على تمكن الأوصاف فقال : { والذي قدر } أي أوقع تقديره في أجناس الأشياء وأنواعها{[72838]} وأشخاصها{[72839]} ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها ، وغير ذلك من أحوالها ، فجعل البطش لليد والمشي للرجل والسمع للأذن والبصر للعين ونحو ذلك { فهدى } أي أوقع بسبب تقديره وعقبه الهداية لذلك الذي وقع التقدير من أجله من الشكل والجواهر والأعراض التي هيأه بها لما يليق به طبعاً أو اختياراً بخلق الميول والإلهامات{[72840]} ، ونصب الدلائل والآيات لدفع الشرور وجلب الخيور ، فترى الطفل أول ما يقع من البطن يفتح فاه للرضاعة ، وغيره من سائر الحيوانات ، يهتدي إلى ما ينفعه من سائر الانتفاعات ، فالخلق لا بد له من التسوية ليحصل الاعتدال ، والتقدير لا بد له من الهداية ليحصل الكمال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.