لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ} (3)

أي قدَّر ما خَلَقَه ، فجَعَلَه على مقدار ما أراده ، وهدى كلَّ حيوانٍ إلى ما فيه رشده من المنافع ، فيأخذ ما يُصْلِحه ويترك ما يضره - بحُكم الإلهام .

ويقال : هَدَى قلوبَ الغافلين إلى طلب الدنيا فعمروها ، وهدى قلوبَ العابدين إلى طلب العقبى فآثروها ، وهدى قلوبَ الزاهدين إلى فناء الدنيا فرفضوها ، وهدى قلوبَ العلماءِ إلى النظر في آياته والاستدلال بمصنوعاته فعرفوا تلك الآيات ولازموها .

وهدى قلوبَ المريدين إلى عِزِّ وَصْفِه فآثروه ، واستفرغوا جُهْدَهم فطلبوه ، وهدى العارفين إلى قُدْس نعتِه فراقبوه ثم شاهدوه ، وهدى الموحِّدين إلى علاء سلطانه في توحد كبريائه فتركوا ما سواه وهجروه ، وخرجوا عن كلِّ مألوفٍ لهم ومعهود حتى قصدوه . فلمّا ارتقوا عن حدِّ البرهان ثم عن حدِّ البيان ثم عمَّا كالعيان عَلِموا أنَّه عزيزٌ ، وأنَّه وراءَ كلِّ فَصْلٍ ووَصْلٍ ، فرجعوا إلى مواطنِ العَجْزِ فتوسَّدوه .