السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ} (3)

وقرأ { والذي قدر } الكسائي بتخفيف الدال والباقون بالتشديد قال البغوي : وهما بمعنى واحد ، أي : أوقع تقديره في أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها وغير ذلك من أحوالها ، فجعل البطش لليد ، والمشي للرجل ، والسمع للأذن ، والبصر للعين ونحو ذلك { فهدى } قال مجاهد : هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ والسعادة والشقاوة وهدى الأنعام لمراعيها . وقال مقاتل والكلبي : في قوله تعالى : { فهدى } عرّف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى ، كما قال تعالى في سورة طه : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 50 ] أي : الذكر للأنثى . وقال عطاء : جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها له . وقيل : قدّر أقواتهم وأرزاقهم وهداهم لمعاشهم إن كانوا أناساً ، ولمراعيهم إن كانوا وحوشاً . وقال السدّي : قدّر مدّة الجنين في الرحم ثم هداه إلى الخروج من الرحم ، ومن ذلك هدايات الإنسان إلى مصالحه من أغذيته وأدويته وأمور دنياه ودينه ، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض إلى معايشها ومصالحها .

يقال : إن الأفعى إذا أتى عليها ألف سنة عميت ، وقد ألهمها الله تعالى أن تمسح عينيها بورق الرازيانج الغض فيردّ إليها بصرها ، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوي تلك المسافة على طولها وعماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها ، فتحك بها عينيها فترجع باصرة بإذن الله تعالى .

وقيل : { فهدى } أي : دلهم بأفعاله على توحيده ، وكونه عالماً قادراً ، والاستدلال بالخلق والهداية معتمد الأنبياء ، قال إبراهيم عليه السلام { الذي خلقني فهو يهدين } [ الشعراء : 78 ] وقال موسى عليه السلام لفرعون : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 50 ] .