إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ} (3)

وقولُه تعالَى : { والذي قَدَّرَ } إمَّا صفةٌ أُخْرى للربِّ كالموصول الأولِ ، أو معطوفٌ عليهِ وكذا حالُ ما بعدَهُ . قدَّرَ أجناسَ الأشياءِ وأنواعِها وأفرادَها ومقاديرَها وصفاتِها وأفعالَها وآجالَها { فهدى } أيْ فوجَّه كلَّ واحدٍ منَها إلى ما يصدرُ عنْهُ وينبغِي لهُ طبعاً أو اختياراً ، ويسرهُ لما خُلقَ له بخلقِ الميولِ والإلهاماتِ ونصبُ الدلائلِ وإنزالِ الآياتِ ولو تتبعتَ أحوالَ النباتاتِ والحيواناتِ لرأيتَ في كلَ منَها ما تحارُ فيه العقولُ . يُروى أنَّ الأفعَى إذَا بلغتْ ألفَ سنةٍ عميتْ وقدْ ألهمَها الله تعالَى أنْ تمسحَ عينَها بورقِ الرازيانجِ الغضِّ ، يُردُّ إليها بصرُها ، فربَّما كانتْ عندَ عُروضِ العَمَى لها في بريةٍ بينَها وبين الريفِ مسافةٌ طويلةٌ فتطويها حتى تهجمَ في بعضِ البساتينِ على شجرة الرازيانجِ لا تُخطئها فتحكَّ عينَها بورَقِها ، وترجعَ باصرةً بإذنِ الله عزَّ وجلَّ . ويُروى أنَّ التمساحَ لا يكونُ له دُبرٌ وإنَّما يخرجُ فضلاتِ ما يأكلُه من فمِه حيثُ قيَّضَ الله له طائراً قُدِّر غذاؤُه من ذلكَ ، فإذَا رآهُ التمساحُ يفتحُ فمَهَ فيدخُلُه الطائرُ فيأكلُ ما فيهِ ، وقد خلقَ الله تعالى له من فوقِ منقارِه ومن تحتِه قرنينِ لئلا يطبقَ عليه التمساحُ فمَهُ . هَذا وأمَّا فنونُ هداياتِه سبحانَهُ وتعالَى للإنسانِ من حيثُ الجسميةُ ومن حيثُ الحيوانيةُ لا سيِّما من حيثُ الإنسانيةُ فممَّا لا يحيطُ به فلكُ العبارةِ والتحريرُ ولا يعلمُه إلا العليمُ الخبيرُ .