تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ} (3)

الآية 3 : وقوله تعالى : { والذي قدر فهدى } يحتمل أوجها :

أحدها : هداه إلى ما أحوجه إليه ، فهدى العبد معيشته من أين يأخذها ، وهدى كل دابة إلى رزقها وعيشها ، فعرفت كل دابة رزقها .

[ الثاني : أن ]{[23506]} يكون قوله : { فهدى } أي هدى به .

[ والثالث : أن ]{[23507]} تكون الهداية من أمر الدين ؛ وذلك يرجع إلى الخصوص من الخلق الذين لهم عقول مميزة ، فيكون معناه : هدى في من هدى .

وطعنت المعتزلة علينا بهذه الآية ، فقالت : إن الله تعالى يقول : { قدر فهدى } وأنتم تقولون : قدر ، وأضل .

ولكن هذا التحقيق راجع إليهم ، لأنهم يجعلون تأويل الهداية على البيان . وإذا كان كذلك ، وقد بين الله تعالى سبيل الهدى وسبيل الضلال جميعا ، فإذن قد أضلهم حين{[23508]} بين لهم سبيل الضلال على قولهم .

ثم ليس في قوله : { قدر فهدى } نفي الإضلال ؛ إذ التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ذلك عما عداه ، فلم يجب قطع الحكم على ما ذكره ، وقد ذكر في موضع آخر المكرمين بالهدى ، فقال : { الم } { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } الآية [ البقرة : 1 و2 ] فثبت أن الهدى راجع إلى الخصوص ؛ فقوله : { قدر } أي لخلقه معايشهم ، وهداهم وجه أخذ المعيشة .


[23506]:في الأصل وم: أو.
[23507]:في الأصل وم: أو.
[23508]:في الأصل وم: حيث.