فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ} (3)

{ والذي قَدَّرَ فهدى } صفة أخرى للربّ ، أو معطوف على الموصول الذي قبله . قرأ عليّ بن أبي طالب والكسائي والسلمي : ( قَدَرَ ) مخففاً ، وقرأ الباقون بالتشديد ، قال الواحدي : قال المفسرون : قدّر خلق الذكر والأنثى من الدّوابّ ، فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها . وقال مجاهد : هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ ، والسعادة والشقاوة . وروي عنه أيضاً أنه قال في معنى الآية : قدّر السعادة والشقاوة ، وهدى للرشد والضلالة ، وهدى الأنعام لمراعيها . وقيل : قدّر أرزاقهم وأقواتهم ، وهداهم لمعايشهم إن كانوا إنساً ، ولمراعيهم إن كانوا وحشاً . وقال عطاء : جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها له . وقيل : خلق المنافع في الأشياء ، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها . وقال السديّ : قدّر مدّة الجنين في الرحم تسعة أشهر وأقلّ وأكثر ، ثم هداه للخروج من الرحم . قال الفراء : أي قدّر فهدى وأضلّ فاكتفى بأحدهما ، وفي تفسير الآية أقوال غير ما ذكرنا . والأولى عدم تعيين فرد أو أفراد مما يصدق عليه قدّر وهدى إلا بدليل يدلّ عليه ، ومع عدم الدليل يحمل على ما يصدق عليه معنى الفعلين ، إما على البدل أو على الشمول ، والمعنى : قدّر أجناس الأشياء وأنواعها وصفاتها وأفعالها وأقوالها وآجالها ، فهدى كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له ، ويسره لما خلق له ، وألهمه إلى أمور دينه ودنياه .

/خ19