الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَكُمۡ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسۡرَحُونَ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولكم فيها}، يعني: في الأنعام، {جمال حين تريحون}، يعني: حين تروح من مراعيها إليكم عند المساء، {وحين تسرحون} من عندكم بكرة إلى الرعي.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

ولكم في هذه الأنعام والمواشي التي خلقها لكم {جمال حين تريحون} يعني: تردونها بالعشي من مسارحها إلى مراحها ومنازلها التي تأوي إليها؛ ولذلك سمي المكان المراح، لأنها تراح إليه عشيا فتأوي إليه، يقال منه: أراح فلان ماشيته فهو يريحها إراحة.

{وحين تسرحون} يقول: وفي وقت إخراجكموها غدوة من مراحها إلى مسارحها، يقال منه: سرح فلان ماشيته يسرحها تسريحا، إذا أخرجها للرعي غدوة، وسرحت الماشية: إذا خرجت للمرعى تسرح سرحا وسروحا، فالسرح بالغداة والإراحة بالعشي...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ولكم فيها جمال حين تُريحون وحين تَسرحون} فإن قال قائل: أي جمال يكون لنا فيها؟ قيل: الإراحة وحين السَّرح. وقال بعض أهل التأويل: وذلك أنه أعجب ما يكون إذا راحت عظاما ضروعها طوالا أسنمتها...

وقال بعضهم: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} وذلك أنهم كانوا يُسَرُونَ عند الإراحة والتسريح، وذلك السرور يظهر في وجوههم، فإذا ظهر زادهم جمالا وحسنا. وهكذا المعروف في الناس أنهم إذا سروا يظهر ذلك السرور في وجوههم، فيزدادون بذلك جمالا، وإذا حزنوا، وأصابهم غم، يؤثر ذلك الغم نقصانا في خلقهم فيزدادون قبحا وتشويها.

وقال بعضهم: إنهم إذا أراحوها، أو سرحوها، رأى الناس أن أربابها أهل غنى وأهل ثروة، وأنهم لا يحتاجون إلى غيرهم، وأن يكون لغيرهم إليهم حاجة، فيكون لهم بذلك ذكر عند الناس وشرف، وذلك جمالهم وشرفهم، والجمال لهم فيها ظاهر لأن ما يبسط ويفرش، إنما يتخذ منها ومن أصوافها، وكذلك ما يلبس إنما يكون منها، وإنما يبسط، ويفرش، ويلبس للتجمل، والبهاء، والله أعلم.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

...وقد قدم الرواح على السراح وإن كان بعده لتكامل درها ولأن النفس به أسَرُّ.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

منّ اللَّه بالتجمل بها كما منّ بالانتفاع بها، لأنه من أغراض أصحاب المواشي، بل هو من معاظمها؛ لأنّ الرعيان إذا روّحوها بالعشي وسرحوها بالغداة -فزينت بإراحتها وتسريحها الأفنية وتجاوب فيها الثغاء والرغاء- أنست أهلها وفرحت أربابها، وأجلتهم في عيون الناظرين إليها، وكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس. ونحوه {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]، {يُواري سَوآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف: 26].

فإن قلت: لم قدّمت الإراحة على التسريح؟ قلت: لأنّ الجمال في الإراحة أظهر، إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع، ثم أوت إلى الحظائر حاضرة لأهلها.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

وذلك أن جمالها لا يعود إليها منه شيء فإنكم أنتم الذين تتجملون بها، كما تتجملون بثيابكم وأولادكم وأموالكم، وتعجبون بذلك...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهذه اللفتة لها قيمتها في بيان نظرة القرآن ونظرة الإسلام للحياة. فالجمال عنصر أصيل في هذه النظرة وليست النعمة هي مجرد تلبية الضرورات من طعام وشراب وركوب؛ بل تلبية الأشواق الزائدة على الضرورات. تلبية حاسة الجمال ووجدان الفرح والشعور الإنساني المرتفع على ميل الحيوان وحاجة الحيوان.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

...والإتيان بالمضارع في {تريحون} و {تسرحون} لأن ذلك من الأحوال المتكررة. وفي تكررها تكرر النعمة بمناظرها.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

عبّر القرآن بكلمة «جمال» عن تلك الحركة الجماعية للأنعام حين تسرع إلى مراعيها وتعود إلى مراحها، لما لها من جمال ورونق خاص يغبط الإِنسان، والمعبر عن حقيقة راسخة في عمق المجتمع. فحركة الإِبل إِضافة إلى روعتها فإِنّها تطمئن المجتمع بأنّ ما تحتاجه من مستلزمات حياتك ها هو يسير بين عينيك، فتمتع به وخذ منه ما تحتاجه، ولا داعي لأن ترتبط بهذا أو ذاك فتستضعف، وكأنّها تخاطبه: فأنت مكتف ذاتياً بواسطتي. ف «الجمال» جمال استغناء واكتفاء ذاتي، وجمال إنتاج وتأمين متطلبات أُمّة كاملة، وبعبارة أوضح: جمال الاستقلال الاقتصادي وقطع كل تبعية للغير! والحقيقة التي يدركها القرويون وأبناء الريف أكثر من غيرهم، هي ما تعطيه حركة تلك الأنعام من راحة نفسية للإِنسان، راحة الإِحساس بعدم الحاجة والاستغناء، راحة تأدية إِحدى الوظائف الاجتماعية الهامة.