{ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } والتقدير : لكم فيها دفءٌ ولكم فيها جمالٌ .
ولما ذكر الأنعام ، أتبعه بذكر المنافع المقصودة منها ، وهي إما ضرورية ، أو غير ضرورية ، فبدأ بذكر المنافع الضرورية ؛ فقال : { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ } وقد ذكر هذا المعنى في آية أخرى ، فقال سبحانه : { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إلى حِينٍ } [ النحل : 80 ] .
والمعنى : ملابسُ ولحفاءُ يستدفئون بها ، ثم قال : " ومَنافِعُ " والمراد ما تقدم من نسلها ودرِّها .
ثم قال : { وَمِنْهَا تَأكُلُونَ } ، " مِنْ " ها هنا لابتداء الغاية ، والتبعيض هنا ضعيفٌ .
قال الزمخشري{[19701]} : " فإن قلت : تقديم الظرف مؤذنٌ بالاختصاص ، وقد يؤكل من غيرها ، قلت : الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس ، وأمَّا غيرها من البط والدجاج ونحوها من الصَّيد ، فكغير المعتد به ؛ بل جارٍ مجرى التَّفكُّهِ " .
قال ابن الخطيب{[19702]} : " ويحتمل أن غالب أطعمتكم منها ؛ لأنَّكم تحرثون بالبقر ، والحب والثّمار التي تأكلونها ، وتكتسبون بها ، وأيضاً بإكراء الإبل وتبيعون نتاجها ، وألبانها ، وجلودها ، وتشترون بها جميع أطعمتكم " .
فإن قيل : منفعة الأكل مقدمة على منفعة اللَّبس ، فلم أخَّر منفعة الأكْلِ في الذكر ؟ .
فالجواب : أنَّ الملبوس أكثر من المطعوم ؛ فلهذا قدِّم عليه في الذِّكر فهذه المنافع الضرورية الحاصلة من الأنعام ، وأمَّا المنافع غير الضرورية الحاصلة من الأنعام فأمورٌ :
الأول : قوله { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } كقوله { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ } .
و " حِينَ " منصوب بنفس " جمالٌ " أو بمحذوفٍ ، على أنه صفة له ، أو معمولٌ لما عمل في " فِيهَا " أو في " لَكُمْ " .
وقرأ عكرمة ، والضحاك ، والجحدري{[19703]} - رحمهم الله - : " حِيناً " بالتنوين ؛ على أنَّ الجملة بعده صفة له ، والعائد محذوف ، أي : حيناً تريحون فيه وحيناً تسرحون فيه ، كقوله : { واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ } [ البقرة : 281 ] وقدِّمت الإراحة على [ السرح ]{[19704]} ؛ لأنَّ الأنعام فيها أجمل لملءِ بطونها وتحفُّل ضروعها ، بخلاف التسريح ؛ فإنها عند خروجها إلى المرعى تخرج جائعة عادمة اللَّبن ثم تتفرق وتنتشر .
قد ورد الحين على أربعة أوجهٍ :
الأول : بمعنى الوقت كهذه الآية .
الثاني : منتهى الأجل ، قال : { وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ } [ يونس : 98 ] ، أي : إلى منتهى آجالهم .
الثالث : إلى ستة أشهر ، قال تعالى : { تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } [ إبراهيم : 25 ] .
الرابع : أربعون سنة ، قال تعالى : { هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر } [ الإنسان : 1 ] .
أي : أربعون سنة ، يعني آدم - صلوات الله وسلامه عليه - حين خلقه من طينٍ قبل أن ينفخ فيه الروح .
والجمالُ : مصدر جَمُلَ بضمِّ الميم يجمُل فهو جَمِيلٌ وهي جَمِيلةٌ ، وحكى الكسائي : جَمْلاء كحَمْرَاء ؛ وأنشد : [ الرمل ]
فَهْيَ جَمْلاءُ كَبَذرٍ طَالعٍ *** بذَّتِ الخَلْقَ جَمِيعاً بالجَمالِ{[19705]}
ويقال أراح الماشية وهراحها بالهاء بدلاً من الهمزة ، وسرح الإبل يسرحها سرحاً ، أي : أرسلها ، وأصله أن يرسلها لترعى ، والسَّرحُ : شجرٌ له ثمرٌ ، الواحدة سرحةٌ ، قال أبيّ : [ الطويل ]
أبَى الله إلاَّ أنَّ سَرحَة مَالكٍ *** عَلي كُلِّ أفْنانِ العِضاهِ تَرُوقُ{[19706]}
3299أ- بَطلٌ كَأنَّ ثِيَابَهُ في سَرْحَةٍ *** يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ ليْسَ بِتَوْءَمِ{[19707]}
ثم أطلق على كلِّ إرسالٍ ، واستعير أيضاً للطلاق ، يقال : سَرحَ فلانٌ امْرأتهُ كما استعير الطلاقُ أيضاً من إطلاق الإبل من عقلها ، واعتبر من السَّرح المضي فقيل : ناقة [ سرحٌ ]{[19708]} ، أي : سريعة ، وقيل : [ الكامل ]
3299ب- سُرُحُ اليَديْنِ كَأنَّهَا . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وحذف مفعولي " تُرِيحُونَ وتَسْرَحُونَ " مراعاة للفواصل مع العلم بها .
الإراحةُ : ردُّ الإبل بالعشيّ إلى مراحها حيث تأوي إليه ليلاً ، وسرح القوم إبلهم سرحاً ، إذا أخرجوها بالغداة إلى المرعى .
قال أهل اللغة : هذه الإراحةُ أكثر ما تكون أيَّام الربيع إذا سقط الغيث ، وكثر الكلأُ ، وخرجت العرب للنّجعةِ ، وأحسن ما يكون النعمُ في ذلك الوقت .
ووجهُ التجملِ بها أنَّ الراعيَ إذا روحها بالعشيَّ وسرَّحها بالغداة تزينت عند تلك الإراحة والتسريح الأفنية ، وكثر فيها النفاء والرغاء ، وعظم وقعهم عند الناس لكونهم مالكين لها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.