الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَلَكُمۡ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسۡرَحُونَ} (6)

الجمال ما يتجمل به ويتزين . والجمال : الحسن . وقد جمُل الرجل - بالضم - جمالا فهو جميل ، والمرأة جميلة ، وجملاء أيضا ، عن الكسائي . وأنشد :

فهي جملاء كبدرٍ طالع *** بذَّت الخلقَ جميعا بالجمال

وقول أبي ذؤيب :

جَمَالَكَ أيها القلبُ القَرِيحُ{[9798]}

يريد : الزم تجملك وحياءك ولا تجزع جزعا قبيحا . قال علماؤنا : فالجمال يكون في الصورة وتركيب الخلقة ، ويكون في الأخلاق الباطنة ، ويكون في الأفعال . فأما جمال الخلقة فهو أمر يدركه البصر ويلقيه إلى القلب متلائما ، فتتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ولا نسبته لأحد من البشر . وأما جمال الأخلاق فكونها على الصفات المحمودة من العلم والحكمة والعدل والعفة ، وكظم الغيظ وإرادة الخير لكل أحد . وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم . وجمال الأنعام والدواب من جمال الخلقة ، وهو مرئي بالأبصار موافق للبصائر . ومن جمالها كثرتها وقول الناس إذا رأوها هذه نعم فلان ، قاله السدي . ولأنها إذا راحت توفر حسنها وعظم شأنها وتعلقت القلوب بها ؛ لأنها إذ ذاك أعظم ما تكون أسمنة وضروعا ، قاله قتادة . ولهذا المعنى قدم الرواح على السراح لتكامل درها وسرور النفس بها إذ ذاك . والله أعلم . وروى أشهب عن مالك قال : يقول الله عز وجل " ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون " وذلك في المواشي حين تروح إلى المرعى وتسرح عليه . والرواح رجوعها بالعشي من المرعى ، والسراح بالغداة ، تقول : سرحت الإبل أسرحها سرحا وسروحا إذا غدوت بها إلى المرعى فخليتها ، وسرحت هي . المتعدي واللازم واحد .


[9798]:هذا صدر البيت، وعجزه كما في اللسان: سنلقى من تحب فتستريح