البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَكُمۡ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسۡرَحُونَ} (6)

الجمال مصدر جمل بضم الميم ، والرجل جميل ، والمرأة جميلة وجملاء عن الكسائي وأنشد :

فهي جملاء كبدر طالع . . . ***بزت الخلق جميعاً بالجمال

ويطلق الجمال ويراد به التجمل ، كأنه مصدر على إسقاط الزوائد .

والجمال يكون في الصورة بحسن التركيب يدركه البصر ، ويلقيه في ألقاب ، فتتعلق به النفس من غير معرفة .

وفي الأخلاق باشتمالها على الصفات المحمودة : كالعلم ، والعفة ، والحلم ، وفي الأفعال : بوجودها ملائمة لمصالح الخلق ، وجلب المنفعة إليهم ، وصرف الشر عنهم .

والجمال الذي لنا في الأنعام هو خارج عن هذه الأنواع الثلاثة ، والمعنى : أنه لنا فيها جمال وعظمة عند الناس باقتنائها ودلالتها على سعادة الإنسان في الدنيا ، وكونه فيها من أهل السعة ، فمنّ الله تعالى بالتجمل بها ، كما منّ بالانتفاع الضروري ، لأن التجمل بها من أغراض أصحاب المواشي ومفاخر أهلها ، والعرب تفتخر بذلك .

ألا ترى إلى قول الشاعر :

لعمري لقوم قد نرى أمس فيهم***مرابط للإمهاز والعكر الدثر

أحب إلينا من أناس بقنة . . . ***يروح على آثار شائهم النمر

والعكرة من الإبل ما بين الستين إلى السبعين ، والجمع عكر .

والدثر الكثير ، ويقال : أراح الماشية ردها بالعشيّ من المرعى ، وسرحها يسرحها سرحاً وسروحاً أخرجها غدوة إلى المرعى ، وسرحت هي يكون متعدياً ولازماً ، وأكثر ما يكون ذلك أيام الربيع إذا سقط الغيث وكبر الكلأ وخرجوا للنجعة .

وقدم الإراحة على السرح لأنّ الجمال فيها أظهر إذا أقبلت ملأى البطون ، حافلة الضروع ، ثم أوت إلى الحظائر ، بخلاف وقت سرحها ، وإن كانت في الوقتين تزين الأفنية ، وتجاوب فيها الرغاء والثغاء ، فيأتنس أهلها ، وتفرح أربابها وتجلهم في أعين الناظرين إليها ، وتكسبهم الجاه والحرمة لقوله تعالى : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } وقوله تعالى : { زُين للناس حب الشهوات } ثم قال تعالى : { والأنعام والحرث } وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري : حيناً فيهما بالتنوين ، وفك الإضافة .

وجعلوا الجملتين صفتين حذف منهما العائد كقوله : { واتقوا يوماً لا تجزى } ويكون العامل في حيناً على هذا ، إمّا المبتدأ لأنه في معنى التجمل ، وإما خبره بما فيه من معنى الاستقرار