الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وجعلني مباركا}، يعني: معلما مؤدبا في الخير، {أين ما كنت} من الأرض، {وأوصاني} بإقامة {بالصلاة} وإيتاء {والزكاة ما دمت حيا}.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

{وجعلني مباركا أين ما كنت} [مريم: 31]. 615- ابن رشد: سئل مالك عن تفسيره هذه الآية: {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال: ما أبينها لأهل القدر أخبر بما هو كائن من أمره حتى يموت.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله "وَجَعَلَنِي مُبارَكا "اختلف أهل التأويل في معنى ذلك؛

فقال بعضهم: معناه: وجعلني نفاعا...

وقال آخرون: كانت بركته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...

وقال آخرون: معنى ذلك: جعلني معلّم الخير...

وقوله: "وأوْصَانِي بالصّلاةِ وَالزّكاةِ" يقول: وقضى أن يوصيني بالصلاة والزكاة، يعني المحافظة على حدود الصلاة وإقامتها على ما فرضها عليّ. وفي الزكاة معنيان: أحدهما: زكاة الأموال أن يؤدّيها. والآخر: تطهير الجسد من دنس الذنوب، فيكون معناه: وأوصاني بترك الذنوب واجتناب المعاصي.

وقوله: "ما دُمْتُ حَيّا" يقول: ما كنت حيا في الدنيا موجودا، وهذا يبين عن أن معنى الزكاة في هذا الموضع: تطهير البدن من الذنوب، لأن الذي يوصف به عيسى صلوات الله وسلامه عليه أنه كان لا يدّخر شيئا لغد، فتجب عليه زكاة المال، إلا أن تكون الزكاة التي كانت فرضت عليه الصدقة بكلّ ما فضل عن قوته، فيكون ذلك وجها صحيحا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والبركة: نماء الخير، والمبارك:الذي ينمى الخير به. والتبرك: طلب البركة بالشيء، وأصله التبرك من البرك وهو ثبوت الطير على الماء...

وقوله:"وأوصاني بالصلاة والزكاة" معناه: أمرني بهما. والوصية: التقدم في الأمر الذي يكون بعدما وقت له، كتقدم الانسان في التدبير بعد خروجه، وكتقدمه في أموره بعد موته.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي نافعاً للخلْق يرشدهم إلى أمور دينهم، ويمنعهم من ارتكاب الزَّلّةِ التي فيها هلاكهم، ومَنْ استضاء بنوره نجا...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وجعلني مباركا أينما كنت}... ذكروا في تفسير المبارك وجوها:

أحدها: أن البركة في اللغة هي الثبات وأصله من بروك البعير فمعناه جعلني ثابتا على دين الله مستقرا عليه.

وثانيها: أنه إنما كان مباركا لأنه كان يعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى طريق الحق فإن ضلوا فمن قبل أنفسهم لا من قبله...

وثالثها: البركة الزيادة والعلو، فكأنه قال: جعلني في جميع الأحوال غالبا مفلحا منجحا لأني ما دمت أبقى في الدنيا أكون على الغير مستعليا بالحجة فإذا جاء الوقت المعلوم يكرمني الله تعالى بالرفع إلى السماء.

ورابعها: مبارك على الناس بحيث يحصل بسبب دعائي إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وجعلني مباركاً} بأنواع البركات {أين ما} في أي مكان {كنت} فيه. ولما سبق علمه سبحانه أنه يدعي في عيسى الإلهية أمره أن يقول: {وأوصاني بالصلاة} له طهرة للنفس {والزكاة} طهرة للمال فعلاً في نفسي وأمراً لغيري {ما دمت حياً} ليكون ذلك حجة على من أطراه لأنه لا شبهة في أن من يصلي لإله ليس بإله.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

والتعبيرُ بلفظ الماضي في الأفعال الثلاثة إما باعتبار ما سبق في القضاء المحتومِ أو بجعل ما في شرف الوقوعِ لا محالة واقعاً، وقيل: أكمله الله عقلاً واستنبأه طفلاً.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

أي: في أي: مكان، وأي: زمان، فالبركة جعلها الله فيَّ من تعليم الخير والدعوة إليه، والنهي عن الشر، والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله، فكل من جالسه، أو اجتمع به، نالته بركته، وسعد به مصاحبه. {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ْ} أي: أوصاني بالقيام بحقوقه، التي من أعظمها الصلاة، وحقوق عباده، التي أجلها الزكاة، مدة حياتي، أي: فأنا ممتثل لوصية ربي، عامل عليها، منفذ لها.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

المبارَك: الذي تُقارن البركةُ أحوالَه في أعماله ومحاورته ونحو ذلك، لأن المبارك اسم مفعول من باركه، إذا جعله ذا بركة، أو من بَارك فيه، إذا جعل البركة معه. والبركة: الخير واليمن. ذلك أن الله أرسله برحمة لبني إسرائيل ليُحلّ لهم بعض الذي حُرم عليهم وليدعوَهم إلى مكارم الأخلاق بعد أن قست قلوبهم وغيروا من دينهم، فهذه أعظم بركة تقارنه. ومن بركته أن جعل الله حُلوله في المكان سبباً لخير أهل تلك البقعة من خصبها واهتداء أهلها وتوفيقهم إلى الخير، ولذلك كان إذا لقيه الجهلة والقُسَاة والمفسدون انقلبوا صالحين وانفتحت قلوبهم للإيمان والحكمة، ولذلك ترى أكثر الحواريين كانوا من عامة الأميين من صيادين وعشّارين فصاروا دُعاة هدى وفاضت ألسنتهم بالحكمة. وبهذا يظهر أن كونه مباركاً أعم من كونه نبيئاً عموماً وجهياً، فلم يكن في قوله {وجعلني نبيئاً} غُنية عن قوله {وجعلني مُبَاركاً}. والتعميم الذي في قوله {أين مَا كُنتُ} تعميم للأمكنة، أي لا تقتصر بركته على كونه في الهيكل بالمقدس أو في مجمع أهل بلده، بل هو حيثما حلّ تحلّ معه البركة...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

المبارك:النافع الهادي المرشد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والداعي إلى الحق والتنزيه، وقد كان عيسى عليه السلام واضح البركات: كان يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ويحي الموتى، وينادى الموتى فيخرجون من قبورهم وأنزل الله تعالى على يديه المائدة من السماء، على أن تكون عيدا لأولهم وأخرهم، فأي بركة أعظم يعطاه مبارك؟.

ثم قال: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا}، الإيصاء: الأمر المؤكد الواجب الإتباع أوصاه الله تعالى {بالصلاة}، ويكنى بها عن إصلاح نفسه وتطهيرها والتقريب من الله تعالى، وأن يكون ربانيا في ذات نفسه، {والزكاة} إعطاء الفقير حقه، وتطهير المجتمع من آثام الفقر فكان الإيصاء بالصلاة والزكاة إصلاحا للنفس والمجتمع، فبالصلاة صلاح النفس وتطهيرها لتألف وتؤلف، وبالزكاة يكون التعاون الاجتماعي بين الغني والفقير. وقد قرر الغلام الطاهر أن ذلك كتب عليه مادام حيا، لا يترخص في ترك الصلاة ولا يسوغ تركها، ولا مسوغ لترك الزكاة إذا توافرت موجباتها.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} وفي ذلك إشارةٌ إلى عمق هذين العنوانين البارزين في شريعة عيسى (عليه السلام): الصلاة بما تؤمنه من سمو الروح عبر ارتفاعها إلى آفاق الله، والزكاة بما تفرضه من احتواء للحرمان الإنساني بالدعم والمساعدة قربة إلى الله. حيث يصبح السمو في آفاق الله مقدمةً للانطلاق إلى الواقع من الموقع نفسه. وهكذا يلتقي الجانب السماوي بالجانب الروحي في مضمون كل الرسالات.