الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أَمۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِۦ يُشۡرِكُونَ} (35)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم ذكر شركهم، فقال: {أم أنزلنا} وأم هاهنا صلة على أهل مكة، يعني كفارهم.

{عليهم سلطانا} كتابا من السماء.

{فهو يتكلم} ينطق {بما كانوا به يشركون} ينطق بما يقولون من الشرك...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أم أنزلنا على هؤلاء الذين يشركون في عبادتنا الآلهة والأوثان، كتابا بتصديق ما يقولون، وبحقيقة ما يفعلون، "فَهُوَ يَتَكَلّمُ بِمَا كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ "يقول: فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم وإنما يعني جلّ ثناؤه بذلك: أنه لم يُنْزل بما يقولون ويفعلون كتابا، ولا أرسل به رسولاً، وإنما هو شيء افتعلوه واختلقوه، اتباعا منهم لأهوائهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال بعضهم: {أم أنزلنا} بل أنزلنا عليهم سلطانا حججا {فهو يتكلم بما كانوا به يشركون} أي يبين، ويعلمهم أن الذي هم عليه شرك، ليس بتوحيد لأنهم كانوا يقولون: إنا على التوحيد، وإنما نعبد هذه الأصنام {ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] ونحوه. فيقول: بل أنزلنا عليهم ما يبين، ويعلم أن ذلك شرك، وليس بتوحيد.

ويحتمل وجها آخر؛ وهو أن قوله: {أم أنزلنا عليهم سلطانا} أي ما أنزلنا عليهم سلطانا، فيأمرهم {بما كانوا به يشركون}، إذ كانوا يدعون بذلك أمر الله كقولهم: {والله أمرنا بها} [الأعراف: 28] ففيه وجهان على أولئك الكفرة:

أحدهما: ما ذكرنا أنهم كانوا يدعون بذلك الأمر من الله، فيخبر أنهم كذبة في قولهم: إن الله أمرهم بذلك. بل لم يأمرهم بذلك، ولا أنزل عليهم الكتاب أو السلطان في إباحة ذلك.

والثاني: يذكر سفههم في عبادتهم الأصنام لأنهم كانوا يعبدون الأصنام، ويسمونها آلهة بلا سلطان ولا حجة، كانوا يطلبون على ذلك. ثم كانوا يطلبون من الرسول آيات تقهرهم، وتضطرهم على رسالته وما يوعدهم بعد ما آتاهم من الآية ما أعلمهم، وأنبأهم، أنه رسول، فالعبادة أعظم وأكبر للمعبود من الرسالة. فإذا لم تطلبوا لأنفسكم الحجة والآية القاهرة في إباحة ما تعبدون من دون الله فكيف تطلبون من الرسول الآية القاهرة في إثبات الرسالة؟.

وقال بعضهم: {أم أنزلنا عليكم سلطانا} كتابا، فيه عذر لهم، فهو يشهد بما كانوا به يشركون...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

قوله: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً}:... رسولاً، حكاه ابن عيسى محتملاً.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

بَين أنهم بَنوا على غير أصلٍ طريقَهم، واتبعوا فيما ابتدعوه أهواءهم، وعلى غير شَرعٍ من الله أو حجةٍ أو بيانٍ أَسَّسُوا مذاهبَهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما بكتهم بقوله: {هل لكم مما ملكت أيمانكم} ووصل به ما تقدم أنه في غاية التواصل، عاد له ملتفتاً إيذاناً بالتهاون بهم إلى مقام الغيبة إبعاداً لهم عن جنابه حيث جلى لهم هذه الأدلة واستمروا في خطر إغضابه بقوله: {أم أنزلنا} بما لنا من العظمة {عليهم سلطاناً} أي دليلاً واضحاً قاهراً {فهو} أي ذلك السلطان لظهور بيانه {يتكلم} كلاماً مجازياً بدلالته وإفهامه، ويشهد {بما} أي بصحة الذي {كانوا} أي كوناً راسخاً {به} أي خاصة {يشركون} بحيث لم يجدوا بدّاً من متابعته لتزول عنهم الملامة، وهذه العبارة تدل على أنهم لازموا الشرك ملازمة صيرته لهم خلقاً لا ينفك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يسأل في استنكار عن سندهم في هذا الشرك الذي يجازون به نعمة الله ورحمته؛ وهذا الكفر الذي ينتهون إليه.. فإنه لا ينبغي لبشر أن يتلقى شيئا في أمر عقيدته إلا من الله. فهل أنزلنا عليهم حجة ذات قوة وسلطان تشهد بهذا الشرك الذي يتخذونه؟ وهو سؤال استنكاري تهكمي، يكشف عن تهافت عقيدة الشرك، التي لا تستند إلى حجة ولا تقوم على دليل. ثم هو سؤال تقريري من جانب آخر، يقرر أنه لا عقيدة إلا ما يتنزل من عند الله. وما يأتي بسلطان من عنده. وإلا فهو واهن ضعيف...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والسلطان: الحجة. ولما جعل السلطان مفعولاً للإنزال من عند الله تعين أن المراد به كتاب كما قالوا {حتى تنزل علينا كتاباً نَقرأه} [الإسراء: 93]. ويتعين أن المراد بالتكلم الدلالة بالكتابة كقوله تعالى {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} [الجاثية: 29]، أي تدل كتابته، أي كتب فيه بقلم القدرة أن الشرك حق كقوله تعالى {أم ءاتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون} [الزخرف: 21].

وقدم {به} على {يشركون} للاهتمام بالتنبيه على سبب إشراكهم الداخل في حيز الإنكار للرعاية على الفاصلة...